محمد متزكي، رئيس جمعية ضحايا السطو على العقار
لا نحتاج على سبيل التقديم التأكيد على الدور الإقتصادي الذي يؤديه العقار في كل المجالات،و لكننا نحتاج على سبيل التقديم التأكيد على ان الوضع في بلادنا لا يبشر بخير،فنحن صوت المجتمع المدني يفترض فينا الحياد أولا من حيث الشكل،و أن يرتكز فينا و يتجسد ضمير المجتمع للنطق به و هذا من حيث الموضوع،حيث لن نبالغ في تجميل الواقع و لا نبالغ في قول ما لا واقع له.
فالأمن العقاري ببلادنا لا زال لم يصل لكفايته و لازلنا في هذا الخصوص بالضبط في طور التقدم،حيث توالت بعد الرسالة الملكية مجموعة من التدابير التشريعية و التنظيمية و التي ننوه بها و بقيمتها في إمكان سد مجموعة من الثغرات أمام مافيا العقار بالمغرب،و لكن هذا لا يحول بيننا و بين مواصلة التنديد و التشديد على مواكبة وزارة العدل و اللجنة المكلفة بهذا الملف في تقديم الملاحظات في كل صغيرة و كبيرة لتحقيق النجاعة في هاته التعديلات،لأنه ليس مجرد ملف “الساعة” بل إنه الجديد القديم،نقول هذا لدرايتنا بخطورة مافيا العقار والتي تتفنن في إختراق القانون بل و تواكب هاته المستجدات التشريعية و التنظيمية أكثر منا.
و تظل أكبر ثغرة قانونية الأم التي تفرعت عنها أغلب الملفات التي مهدت لتفجر ظاهرة الإستيلاء على عقارات الغير،و خاصة العقارات المحفظة التي يفترض فيها انها محفظة و منزهة عن العبث،وهي ما جاءت به المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية و التي هي بحق عبث تشريعي عن جدارة و إستحقاق و يستدعي الوقوف على خلفياته و أسباب صياغته،غير أننا و نحن نسابق الزمن و نناضل لأجل الحد من هذا العبث لنا الحق في العودة لمنابع سوء صياغة هذا النص،والبحث عن العمدي فيه من الغير العمدي والمطالبة بالمحاسبة و المطالبة بالتسريع لإخراج هذا التعديل التشريعي للمادة الثانية للوجود،و نسائل المشرع سؤالا جوهريا واحدا،و هو ماذا عن هاته الفترة الزمنية التي تحتسب بالضبط بعد الرسالة الملكية أو بالتخصيص بعد التشخيص الذي قامت به وزارة العدل إلى حدود الآن الذي لم يصدر أي قانون يعدل أو يلغي المادة الثانية،فماذا عن هؤلاء الضحايا في هاته الفترة التي لا يختلف فيها رجال القضاء و الباحثين جلهم على أن المادة الثانية ثغرة تشريعية،فكيف سيكون القضاء منصفا للضحايا و رافعا للبس عن القضاة في التطبيق السليم للقانون،رغم أن هذا القانون غير سليم بإتفاق مجمع ؟
و دون الخوض في مجموعة من الإقتراحات و الحلول الترقيعية يكفي الرجوع إلى ظهير 2 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة و الذي صدر في عهد المستعمر،حيث كانت المادة الثالثة منه هي المادة الثانية الآن،وتنص هاته المادة في ظهير 1915 على ما يلي:
(إن الرسوم العقارية و ما تتضمنه من تسجيلات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه مالم تبطل أو يشطب عليها أو تغير،و هي حجة في مواجهة الغير على ان الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها،
إن ما يقع من إبطال أو تغيير لاحق لايمكن التمسك به في مواجهة الغير عن حسن نية كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر)
أما المادة الثانية الآن في مدونة الحقوق العينية لسنة 2011 فتنص على:
(إن الرسوم العقارية و ما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه و تكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها.
إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو إستعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه)
إن مقارنة بسيطة لهذين النصين القانونين توضحان بشكل لا لبس فيه أن عهد 1915 الإستعماري لم يجرؤ المستعر على أن ينص على مثل ما جاءت به المادة الثانية في عهد دستور 2011 الحامي للملكية العقارية بتحديد أجل أربع سنوات لرفع دعوى الزور تبتدء من تاريخ تقييد السند المزور وليس من تاريخ العلم به، فالمستعمر لازال بيننا في هيئة مافيا العقار مادامت الملكية العقارية غير محمية و المثير أن المشرع المغربي عوض تقديم ترسانة تشريعية تواكب متطلبات العصر و أن هناك أناس قانون يفترض فيهم التشريع لحمايتها لازالوا يقومون بتسهيل نهبها، و يرهبون و يخوفون المغاربة المقيمين بالخارج من الإطمئنان على ممتلكاتهم و إبعاد المستثمرين بالمس بالعقار الذي هو الأرضية لجميع للإستثمارات،فالمواطن الذي يتعرض للنهب في وطن دافع عنه و أجلى المستعمر ليجازيه بنهب ملكيته لن تبقى له ثقة في مؤسسات الدولة و سيلجأ لهجرة الوطن.
لذا فإن أقل الإيمان الرجوع للمادة الثانية في صيغتها القديمة في ظهير 1915 و الغاء المادة الثانية في صيغتها التي في مدونة الحقوق العينية بأثر رجعي و محاسبة كل من صاغ هذا النص التشريعي من قريب أو بعيد.