إعلان روسيا عن إيجاد لقاح ضد فيروس كورونا يزيد من حدة التنافس العالمي على إيجاد الدواء الشافي. ومن جملة ما يعنيه ذلك زيادة فرص الدول الفقيرة والعربية بالحصول على جرعة لقاح ببضعة دولارات بدلا من أضعاف ذلك، لماذا؟
بعيد اندلاع أزمة فيروس كورونا والاجراءات الحكومية المتسارعة للحد منها دار حديث بيني وبين طبيب صديق يعمل في بافاريا حول جائحة الفيروس. ومن جملة ما تحدثنا عنه محاولات سياسيين ألمان استغلال جهود مكافحة جائحة الفيروس للحصول على نقاط سياسية إضافية وتلميع صورتهم لدى الرأي العام. الصديق عرج أيضا على بعض التقارير الإعلامية التي تطرح الكثير من الأسئلة، لاسيما ما يتعلق منها بتخويف الناس من الجائحة أكثر من اللازم. وأضاف الصديق في النهاية وفي قمة الجائحة “سيعلن الأمريكان كالعادة إيجاد الدواء ويقدمون أنفسهم كمنقذ للعالم من الفيروس”.
غير أن نبوءة الصديق وآخرين كثر لم تصدق هذه المرة، لأن أول من أعلن عن إيجاد اللقاح ليس الولايات المتحدة هذه المرة، بل روسيا وعلى لسان الرئيس بوتين شخصيا في 11 أغسطس/ آب الجاري. إعلان بويتن هذا يمكن وصفه بالتاريخي على حد قول مراسل دويتشه فيله في موسكو يوري ريشيتو. ومما جاء في الإعلان أن اللقاح “فعال بما فيه الكفاية وأنه يعطي مناعة مستدامة وأن إحدى بناته تلقت اللقاح الذي أطلق عليه اسم “سبوتنيك 5” تيمنا بالقمر الصناعي السوفياتي الذي كان أول مركبة فضائية في التاريخ. هذا وذكر مسؤولون روس أن الإنتاج الصناعي للقاح في سبتمبر/ أيلول القادم 2020
باستثناء أصوات قليلة كصوت الرئيس الأمريكي ترامب الذي عبر عن أمله بأن يثبت اللقاح الروسي فعاليته ضد كورونا، تعرض “سبوتنيك 5″ والإعلان عنه لانتقادات واسعة وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة على أساس أنه خطوة متسرعة وأن اللقاح غير ناضح والتجارب السريرية اللازمة للتأكد من كونه آمن وفعّال لم تكتمل بعد. وحتى في دولة صديقة لروسيا كإيران فقد حثت وزارة الصحة الإيرانية على الحذر من اللقاح الروسي على ضوء الانتقادات. ومن الملفت هنا أن منظمة الصحة العالمية بقيت حذرة تجاه الانتقادات، ولو أنها شددت على أهمية اكتمال مراحل التجارب عليه قبل البدء بإنتاجه.
غير أن بعض الانتقادات كتلك التي وردت على لسان رئيس الجمعية الطبية الألمانية كلاوس راينهارت أعطت للموضوع بعدا سياسيا معتبرة أن الموافقة على اللقاح ” تجربة عالية المخاطرة وتعطي الانطباع بأن الأمر يتعلق بإجراء شعبوي لنظام استبدادي يريد استعراض قدراته العلمية على الصعيد العالمي”. ورغم أحقية الكثير من ردود الأفعال يمكننا القول هنا أن ردود الفعل على اللقاح الروسي تجاهلت تأثيراته الإيجابية لجهة دفع جهود تطوير دواء ضد كورونا عالميا، كما تجاهلت أهميته في السباق على انقاذ أرواح ملايين البشر الذي يهدد الفيروس حياتهم. بدورها انتقدت روسيا على لسان وزير الصحة ميخائيل موراشكو، التشكيك باللقاح، معتبرا وصف اللقاح بأنه “غير آمن لا أساس له من الصحة”. ورأى الوزير أن حملة الانتقادات تعكس “الخوف من المزايا التنافسية للعقار الروسي أكثر من الاعتبارات الأخرى”.
السباق على سوق بعشرات المليارات
تعكس الخطوة الروسية بلا شك بعدا سياسيا كذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار سعي موسكو الواضح تحت قيادة بوتين إلى مزيد من الحضور والتأثير في الساحة الدولية. ويعد الاستغلال السياسي لأحداث كبرى مثل جائحة كورونا التي تصيب البشرية جمعاء من الأمور المألوفة في سياسات الكثير من الدول والأشخاص المؤثرين في الشرق والغرب بهدف تحسين السمعة. غير أن الأبرز هنا أن الخطوة المذكورة مع ردود الافعال الكثيرة عليها تعكس وبغض النظر أحقية الكثير من هذه الردود تنافسا عالميا حامي الوطيس في ساحة السباق على الفوز بأول لقاح فعال ضد جائحة الفيروس. فمثل هذا الفوز، لا يضمن فقط استثمارات وأرباحا بمليارات الدولارات، بل أيضا سمعة أول منقذ للبشرية من الجائحة الخطيرة عليها. وهو أمر يأتي بدوره بالكثير من المنافع المباشرة وغير المباشرة. وإذا كان حجم الاستثمارات العالمية المعلن عنها لتطوير اللقاح حتى الان زادت على 7.5 مليار دولار، فإن حجم المبيعات والأرباح المتوقعة من إيجاده تتراوح بين 70 إلى 100 مليار دولار في غضون بضع سنوات.
خوف المحتكرين من المنافسة
تُعد الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا وفرنسا بمراكز أبحاثها وشركاتها المتخصصة والأخرى العابرة للقارات الأفضل في صناعة الأدوية ومكوناتها ومنح تراخيصها عبر العالم. وقد احتكرت شركاتها تطوير وصناعة أهم اللقاحات ومكوناتها على مدى عقود. وهو الأمر الذي ضمن لها الأرباح الطائلة في سوق الأدوية العالمية التي تزيد مبيعاته السنوية على 1.2 تريليون دولار. على ضوء ذلك فإن المخاوف الغربية من الميزات التنافسية واقعية في حال نجاح روسيا أو دول أخرى خارج منظومة الاحتكار الغربية في إيجاد لقاح لكورونا، لأن المنتج الروسي أرخص من نظيره الغربي. فمثل هذا النجاح لن يدفع فقط الدول الفقيرة ومن ضمنها معظم الدول العربية، بل أيضا الكثير من الدول المتوسطة والغنية لشرائه.
ونخص بالذكر منها الدول التي لديها تجربة طويلة بشراء منتجات ومواد أولية روسية بأسعار تفضيلية ومناسبة كالصين وإيران وكوبا وفنزويلا والهند وتركيا. ومن شأن ذلك أن يفقد الشركات العابرة للقارات وهي معظمها غربية أسواقا مهمة لمبيعاتها. ويمكن لنا تقدير حجم خسائرها بمليارات الدولارات إذا علمنا أن بعضها خطط لبيع اللقاح الواحد من كورونا بنحو 100 دولار. بالمقابل فإن دول عديدة كالمكسيك والهند تسعى لتوفيره لمواطنيها بنحو 4 دولارت أو أقل من ذلك.