تناول خبراء وأساتذة مآلات ملف الصحراء المغربية بعد قرار المغرب الأخير، في ندوة بمكناس نظّمتها جمعية يدا في يد للتنمية المستدامة والمركب التربوي كوستاف إيفيل، تم فيها مناقشة كيف يمكن استثمار أخطاء “البوليساريو” وتمردها على الشرعية الدولية لحسم النزاع بشكل نهائي لصالحه.
صبري: العملية أمنية وليست عسكرية
المحامي والخبير في القانون الدولي والهجرة ونزاع الصحراء، صبري لحو، أشار في الندوة التي ترأستها مديرة المركب نعيمة بن فايدة، إلى أن العملية حتى الآن أمنية وليست عسكرية، أتت لتأمين حركية المرور المدني والتجاري في ممر الكركارات.
صبري ضمن مداخلته قال إن “منطقة أكركار أو الكركارات تقع في المنطقة المحسوبة عازلة وتحت اشراف الأمم المتحدة عبر جهاز المينورسو لتسهيل عمليات مراقبة وقف اطلاق النار. وكان البوليساريو يتحرش بها لسنوات، وصدرت قرارات من مجلس الأمن تأمره بالانسحاب، منها القرار 2414و 2464و 2494، والأخير في 2548، ودعاها الأمين العام دون أن تمتثل”.
وشدد على أن المغرب أمهل الأمم المتحدة لتضطلع بالتزامها لكن البوليساريو تماهت بل عرضت موظفي الأمم المتحدة للخطر. وكان غرض وخلفيات البوليساريو هو وقف تقدم المسلسل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي يسير لصالح المشروع السياسي المغربي بالحكم الذاتي.
وأبرز أن المغرب وجد نفسه مضطرا للتدخل لتأمين حركة المرور وتفادي الاشتباك إلا في إطار الدفاع عن النفس وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وقد أمن المعبر وفي وقت أعلنت البوليساريو عن إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار والعودة إلى الحرب، أشهد المغرب العالم والأمم المتحدة بمسؤولية البوليساريو في ما قد تؤول إليه الأمور، ومستعد لكل الاحتمالات في اطار الدفاع عن النفس للحسم النهائي بضم كل أراضيه خلف الجدار جنوبا وشرقا.
نور الدين: خطوة لحسم الصراع بشكل نهائي في الصحراء
من جهته، ركز أحمد نورالدين، الخبير في العلاقات الدولية والمتخصص في الشؤون المغاربية، في مداخلته على بدايات القضية لتفكيك الخطاب الانفصالي وتفنيد الدعاية التضليلية التي تروج لها الجبهة الانفصالية وحاضنتها الجزائرية. إذ ذكّر بأن المغرب هو من طالب بتقرير مصير ساكنة الصحراء من أجل تحريرها من الاحتلال الاسباني، وشرح أن المغرب أدخل ملف تقرير مصير سيدي افني والصحراء سنة 1966.
نور الدين أشار إلى أن المغرب كما هو معلوم كان قد تعرض لتقسيم استعماري لعدة مناطق نفوذ منها الريف والصحراء وجيوب طرفاية وسيدي افني الاي خضعت للاحتلال الاسباني، بينما خضعت بقية الأقاليم المغربية للاحتلال الفرنسي.
وشدد على أن ساكنة الصحراء جزء أصيل من الشعب المغربي وبأن كل القبائل المتواجدة في الساقية الحمراء ووادي الذهب وبدون استثناء تعتبر امتدادا لنفس القبائل المتواجدة في بقية مناطق المغرب سواء في طان طان او كلميم او سيدي افني او حتى الأقاليم البعيدة مثل سيدي قاسم وفاس ومكناس، مما يفند اكذوبة الشعب المزعوم.
ولفت إلى أن تطهير منطقة الكركرات من قبل القوات المسلحة الملكية يعتبر خطوة استراتيجية لحسم الصراع بشكل نهائي في الصحراء، كما أن هذا القرار أفشل مخططات الجزائر الرسمية إلى عزل المغرب عن محيطه الإفريقي وضرب مبادلاته التجارية مع افريقيا جنوب الصحراء ومشروع انبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب وأوروبا.
البلعمشي: أبعاد قانونية تضفي معنى لمفهوم السيادة
ضمن مداخلته أبرز عبد الفتاح البلعمشي،أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن هناك مكاسب قانونية متتالية تدعم طرح المغرب لحل نزاع الصحراء، حيث على صعيد هيئة الأمم المتحدة أصبح هناك فهم متجدد للموقف الوطني انعكس بشكل واضح في قرارات الأمم المتحدة منذ سنة 2016 وكان آخرها القرار 2548.
كما يبرز حدث افتتاح القنصليات العامة لعدد من الدول بجهات الصحراء المغربية، بالإضافة إلى ترسيم الحدود البحرية للمملكة، وكلها أبعاد قانونية، يقول البلعمشي، تضفي معنى لمفهوم السيادة، وفي إطار التدبير الأممي تعد معطيات يمكن التأسيس عليها من أجل التسوية.
وخاطب البلعمشي الطلاب الحاضرين قائلا:” لابد أننا أمام مواقف وطنية مفعمة بروح الإجماع، ومجسدة لذلك التلاحم الشعبي مع قرارات الدولة، وهو ما يعتبر سندا لأي سياسة خارجية ناجحة”. وتابع قوله “إننا أمام تحول استراتيجي وليس تكتيكيا هذه المرة”.
وعدًد الاستاذ نفسه المكاسب الدبلوماسية التي تتحقق بعد قرار استعادة أمن الكركارات،مشيرا إلى المواقف المعلنة لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، والمملكة الأردنية.
توقيف: ديناميكية اقتصادية مهمة
مداخلة أخرى قاربت الموضوع من زاوية أخرى، كانت لفاطمة الزهراء توقيف، وهي استاذة باحثة في علم الاقتصاد بكلية القانون بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، حيث تناولت الموضوع من وجهة نظر اقتصادية من خلالها تمت الإشارة للديناميكية الاقتصادية المهمة التي يشهدها المغرب، والتي، تقول الاستاذة، تجعله يتميز عن باقي الدول بمجموعة من التوجهات التنموية على جميع المستويات الاقتصادية، الاجتماعية و السياسية (الجهوية الموسعة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، النموذج التنموي الجديد…)
كما تناولت المداخلة أهم المخططات القطاعية التي نهجها المغرب لاستهداف جميع الاقاليم المغربية عامة، والأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص، اعتمادا على مؤشرات اقتصادية كالناتج الداخلي الخام، معدل الاستثمار.
كما ركزت المداخلة على أهمية الاستثمار في المشاريع الاجتماعية و مشاريع القرب المنجزة في هذه الأقاليم على اعتبار خصوصية المغرب ، على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي تجعله متميزا بمنجزاته الاستراتيجية.
سليم: تعامل سلمي كانت له نتائج
محمد سليم وهو أستاذ التعليم العالي بشعبة القانون العام بكلية الحقوق مكناس، تختار الاستاذ كعنوان لمداخلته في الندوة المنعقدة بالمركب التربوي كوستاف ايفيل بمكناس تخليدا لذكرى المسيرة الخضراء موضوع، “البعد السلمي في السياسة المغربية من اجل استكمال الوحدة الترابية”.
حيث استعرض تجليات اسلوب التعامل السلمي بدءا بالمفاوضات مع المستعمر السابق من اجل استرجاع مناطق الحماية الفرنسية والاسبانية ومنطقة طنجة الدولية وطرفاية وسيدي افني، مستشهدا بالاختيار السلمي عن طريق المفاوضات ايضا لتسوية نزاع الحدود الشرقية مع الجزائر، وذلك بعرض قضية الصحراء على أنظار الجمعية العامة للامم المتحدة منذ اواسط الستينات.
واشار سليم إلى الطابع السلمي الذي اتبعه المغرب بخصوص وحدته الترابية من خلال طلب راي محكمة العدل الدولية في طبيعة علاقاتها بالمغرب، لاعتماده كأساس للمسيرة الخضراء.
كما تجلى الطابع السلمي للأداء الدبلوماسي المغربي، في نظر الأستاذ نفسه، في التجاوب مع مطلب المجتمع الدولي بقبوله مبدأ تقرير المصير منذ اوائل الثمانينات في منظمة الوحدة الافريقية قبل أن يغادرها، وكذا تجاوبه بعد ذلك مع مخطط التسوية الاممي منذ نهاية الثمانينات الى غاية نهاية التسعينات. واخيرا التجاوب-بعد فشل مخطط التسوية- مع دعوات الامين العام ومجلس الامن لايجاد حل سياسي للنزاع، وهو ما تجسد في المبادرة التي قدمها المغرب الى مجلس الامن في 2007 والتي اصبحت تشق طريقها في اتجاه ان تصبح المبادرة الوحيدة الممكنة كحل سياسي عادل متوافق عليه ودائم للنزاع كما تكرر ذلك قرارات مجلس الامن الدولي.