للمملكة المغربية في واشنطن لوبي هو الأكبر بين دول شمال أفريقيا، ولربما يفوق حجمه حجم أنشطة مصر وليبيا وتونس والجزائر مجتمعةً معًا في واشنطن.
فللمغرب علاقات خاصة بالولايات المتحدة تختلف عن باقي حلفائها في المنطقة، وفي هذا التقرير نستعرض تعاقدًا مع رالف نورنبيرجر، وهو موظف سابق في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، المعروفة اختصارًا بـ«أيباك»، أهم ممثلي اللوبي الإسرائيلي، ونستطلع أنشطته وما قدمه للمغرب.
رالف نورنبيرجر.. 8 سنوات مع «أيباك» ومثلها مع المغرب
رالف نورنبيرجر هو مالك ومؤسس شركة «نورنبيرجر – Nurnberger & Associates»، وهي شركة ضغط سياسي، تعاقد معها المركز المغربي للدراسات في 3 مارس (آذار) 2009.
وقد عمل نورنبيرجر سابقًا مستشارًا للشؤون الحكومية للسيناتور جيمس بيرسون، وموظفًا قديمًا ورفيع المستوى في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
ولربما عمله في «أيباك» من أهم محطات حياته المهنية، فقد عمل أكثر من ثماني سنوات في التنسيق بين «أيباك» والكونجرس في الشؤون التشريعية، ولهذا العمل أهمية خاصة لتواصله مع العديد من أعضاء الكونجرس والموظفين فيه. وركَّز نورنبيرجر عمله تلك الفترة على المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وعلى مبيعات الأسلحة، وعملية السلام. ولم نستطع تحديد تاريخ سنوات عمله مع «أيباك».
عملَ نورنبيرجر على شؤون شرق أوسطية مختلفة، على رأسها الصراع العربي الإسرائيلي؛ إذ كان أول مدير تنفيذي لمنظمة «بناة من أجل السلام»، التي تأسست عام 1993، بدعم من نائب الرئيس الأمريكي آل جور، لدعم عملية السلام في الشرق الأوسط، من خلال تشجيع استثمار القطاع الخاص في الضفة الغربية وقطاع غزة.
نظرًا إلى طبيعة عمله، فإن لنورنبيرجر علاقات بشخصيات إسرائيلية أبرزها إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وعملَ أيضًا مع شمعون بيريز حين كان وزيرًا لخارجية إسرائيل (2001- 2002).
ونفذت الشركة حملات ضغط لصالح المغرب، بشكل خاص على أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس في سنوات 2009-2017؛ أي طوال فترة رئاسة باراك أوباما، الرئيس الديمقراطي.
ويُذكر أن الشركة عملت سابقًا لزبائن أجانب آخرين، مثل جنوب السودان، والجامعة العبرية في القدس.
نورنبيرجر يحشد الدعم للمغرب في الكونجرس
طوال فترة التعاقد ركَّزت الشركة في ضغطها على أعضاء الكونجرس العاملين بلجان المخصصات، المسؤولة عن المساعدات، ولجان الخارجية.
عام 2011.. الاحتجاجات والربيع العربي
في مطلع عام 2011، اجتمعت الشركة فقط مع عضوي كونجرس، أولهما السيناتور الجمهوري النافذ جيم إنهوف، عضو لجنة القوات المسلحة، التي ترأسها في سنوات لاحقة، وعضو في لجنة الخارجية والذي يعدُّ من أبرز الداعمين لجبهة البوليساريو في الكونجرس، وثانيهما النائب شيلي بينجري، ديمقراطية في لجنة القوات المسلحة أيضًا.
وبين فبراير (شباط) وأبريل (نيسان) 2011، اجتمعت الشركة عدَّة مرات مع مكتب النائب الديمقراطي جيرالد كونولي، عضو لجان الخارجية والرقابة والإصلاح الحكومي. ومع مكتب زميله في لجنة الخارجية، تيد دتش، زعيم الديمقراطيين باللجنة الفرعية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أما في النصف الثاني من 2011، اجتمعت الشركة مباشرة مع عدد كبير من النواب، أهمهم النائب الديمقراطي آدم شيف، عضو لجنة القوات المسلحة والاستخبارات، والذي ترأسها لاحقًا.
قائمة مطوّلة لاجتماعات شركة رالف نورنبيرجر في مطلع عام 2011 لصالح المملكة المغربية، مع مجموعة من أعضاء الكونجرس أو موظفيهم. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
واجتمعت مع نواب ديمقراطيين آخرين، مثل جيسي جاكسون من المخصصات، وستيف كوهين من القضائية، وقد كتب كوهين في مارس (آذار) 2012 عن الصحراء ووصف الصراع عليها بأنه «فشل دبلوماسي هائل» يهدد التقدم الديمقراطي في المغرب، وفي المقال يُشيد كوهين بالمقترح المغربي لحل الصراع: حكم ذاتي في ظل سيادة مغربية.
ويحكي كوهين عن توفُّر إجماع الحزبين في الكونجرس على هذا المقترح، ويشير لدعم إدارات أمريكية متعاقبة لموقف المغرب: كلينتون، ثم بوش وأوباما، ثم ينتقد موقف جبهة البوليساريو، المُعارضة للمغرب، والساعية للاستقلال الكامل بالصحراء، وينتقد الجزائر على دعمها لها، ويدعو لحلِّ الصراع بسرعة وفي أقرب وقت؛ نظرًا إلى تغيُّر الظرف الإقليمي بعد سقوط معمر القذافي، أحد داعمي البوليساريو.
وبالطبع لم يفت المركز المغربي الأمريكي للدراسات أن يُبرز هذا المقال ووزعه على عاملين بالكونجرس.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2013، اجتمع كوهين مع وفد رجال أعمال مرافقين للملك المغربي محمد السادس، وبحث معهم فرص تعزيز التعاون التجاري بين المغرب والولايات المتحدة، وتحديدًا مع مدينة كوهين: ممفيس، أكبر مدن ولاية تينيسي.
وجدير بالذكر أن كوهين زارَ المغرب في سبتمبر (أيلول) 2014، برفقة وفد من الكونجرس قاده السيناتور الديمقراطي تيم كاين، أحد أهم حلفاء المغرب بالكونجرس، واستمرت الزيارة ليومين.
في 2016، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها لحقوق الإنسان في أبريل (نيسان) من ذلك العام، وقدَّمت تقييمًا لوضع حقوق الإنسان لم يرق للمملكة المغربية، وسرعان ما أعربت المملكة عن قلقها من وجود معلومات خاطئة في التقرير، وتمثيل غير دقيق لجهود المغرب في شمال أفريقيا. وبعد صدور البيان المغربي كتب 16 عضوًا بالكونجرس رسالةً «تُحيي إنجازات المغرب في حقوق الإنسان»، وتؤكِّد أن المغرب أقدم حليف للولايات المتحدة في المنطقة.
حملت الرسالة اسم عدة نواب منهم دارل عيسى، جمهوري في لجان القضائية والرقابة والإصلاح الحكومي، وقد تواصلت معه الشركة سابقًا.
وطوال عام 2011، لا تورد وثائق الشركة إلا اتصالًا يتيمًا مع وزارة الخارجية الأمريكية، باجتماع مع جولي إيجان، دبلوماسية عملت بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ألقى نورنبيرجر خطابًا في عام 2012 عن الربيع العربي والفروق بين انتفاضات البلدان العربية المختلفة، وأكَّد في كلامه أكثر من مرة أن للمغرب سياقه الخاص والمختلف، ويصف نورنبيرجر المشهد في المغرب آنذاك بأن المحتجين خرجوا للشوارع «ليصرخوا ويصيحوا» محتجين على كل ما يزعجهم في الحياة، ثم خرج الملك، كما يقول نورنبيرجر، وقال لشعبه: «سنعيد كتابة الدستور المغربي، وليخرس الناس حتى انتهائنا منه». ثم يبدأ نورنبيرجر بالحديث عن حسنات الدستور الجديد، ولو أنه لن يضع المؤسسة الملكية في المغرب في مصافِّ المؤسسة الملكية في بريطانيا، أي لن يصبح النظام ملكيًّا دستوريًّا بالمعنى الكامل للكلمة.
2012: عام تصعيد الضغط والترويج للإصلاحات الدستورية
يُلاحظ أن شركة نورنبيرجر صعَّدت من وتيرة أنشطتها وضغطها على الكونجرس في عام 2012، وفي هذا العام، عملَ اللوبي المغربي على الترويج للإصلاحات الدستورية الملكية بعد احتجاجات عام 2011، وركَّزت الشركة على التواصل مع مكاتب كبار الأعضاء بالكونجرس لهذه الفترة.
وأهم اجتماعاتها مع مكتب إيريك كانتور، زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب، وتكرر التواصل معه لاحقًا في مطلع 2014.
واجتمعت الشركة مع مكاتب أبرز النواب العاملين في الشؤون الخارجية، منهم إليوت أنجل، أحد أعمدة إسرائيل بالكونجرس، والذي تزعَّم الديمقراطيين في اللجنة منذ 2013، وطوالَ سنوات عمل الشركة حافظت على تواصل معه، على الأقل بأربعة اجتماعات مباشرة معه أو مع مكتبه. وهو مؤيدٌ للمقترح المغربي الذي ذكرناه آنفًا.
ومدَّت الشركة يدها للجمهوريين في لجنة الخارجية، فاجتمعت عدة مرات مع مكتب النائب الجمهوري إدوارد رويس، وهو عضو باللجنة الفرعية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضًا، ولاحقًا قادَ الجمهوريين فيها.
ومجددًا كرر نورنبيرجر التواصل مع النائب الديمقراطي تيد دتش، من لجنة شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
لدتش موقف داعم للمغرب في الصحراء الغربية، ومثل كوهين يؤيِّد المقترح المغربي بوجود حكم ذاتي مع سيادة مغربية على الإقليم. وفي جلسة استماع بالكونجرس عن «السياسة الأمريكية تجاه المغرب»، بتاريخ 9 أبريل 2014، كرر دتش الثناء على المغرب وعلى الإصلاحات السياسية التي قدَّمها الملك استجابةً للصغط الشعبي إبان احتجاجات 2011.
ويبرز في الوثائق التواصل أكثر من مرة مع راشيل جونسون، موظف في لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، عمل على تشريعات للمساعدات الأمريكية التي تقدمها وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
ويلاحظ التركيز على لجان المخصصات، وهي المعنية بالمساعدات الأمريكية، فبالإضافة إلى التواصل مع الموظفين العاملين باللجنة، اجتمعت الشركة مع مكاتب النائبة بابارا لي، ديمقراطية في اللجنة بمجلس النواب وزميلتها ديبي شولتز، وفي اللجنة بمجلس الشيوخ تواصلت الشركة مع الجمهورية سوزان كولينز.
في عام 2013، تكررت الاجتماعات ببعض أعضاء الكونجرس المذكورين آنفًا، وأضيف للقائمة اجتماع مهم، مع مكتب ستيني هوير، ثاني مسؤول في الحزب الديمقراطي داخل مجلس النواب.
وفي هذه الفترة تواصلت الشركة لأول مرة مع النائب الديمقراطي جيم موران، عضو لجنة المخصصات، وتكرر تواصل اللوبي المغربي معه لاحقًا، وموران، نائب قديم من مناصري القضية الفلسطينية، من داعمي المغرب في الكونجرس، وأثنى في 2013 على المغرب ودوره الإقليمي، ودعا لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وتواصلت الشركة مع الشيخ المستقل آنجوس كينج، عضو عدَّة لجان مهمة: القوات المسلحة، والميزانية، والاستخبارات.
وخلال عام 2013 وحده، تواصلت الشركة أكثر من عشرات المرات مع مكاتب أعضاء مختلفين.
واجتمعت الشركة بمكتب النائبة الديمقراطية لويس فرانكل، تعمل باللجنة الفرعية عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشاركت في جلسة استماع أبريل 2013، وناقشت في الجلسة مجموعة أسئلة، أحدها عن وضع المرأة في المغرب وحقوقها المكفولة دستوريًّا، وسؤال آخر استفسرت فيه عن فاعلية الدعم الأمريكي للمغرب، وهل له دور في مكافحة «ربيع عربي» آخر، أو «الحد من الإرهاب».
المغرب يستعد لترامب في البيت الأبيض
حصلت شركة نورنبيرجر على 568 ألف دولار، نظيرًا لخدماتها من نهاية 2010 وحتى أكتوبر 2017، وفقًا لوثائق وزارة العدل الأمريكية، ولكن أنشطة الشركة توقفت عمليًّا في مايو (أيار) 2017، أي بعد شهور من فوز ترامب بالبيت الأبيض.
ومن المهم هنا أن نشير للتحول في توجه اللوبي المغربي، بعد أن كان تركيزه منصبًّا إلى حد كبير طوال سنوات أوباما على الحزب الديمقراطي فحسب، ولكن فوز ترامب، مرشَّح الحزب الجمهوري، ودخوله البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2017 دفع المغرب لتحويل الدفَّة وإنهاء الكثير من تعاقداتها القديمة.
وعلى كل حال، تابعت الشركة تقديم خدماتها في الشهور الأولى لترامب بالتواصل مع سياسيين من كلا الحزبين. أولهم، السيناتور الديمقراطي ديك دوربين، وهو عضو ثلاث لجان مهمة: القضائية، والمخصصات، والقواعد. ويبدو أن دوربين متابع للشأن المغربي، ففي يونيو (حزيران) 2018 أعرب عن أسفه من أحكام بسجن صحافيين مغربيين في سياق محاكمات لقادة حراك الريف المغربي، وقال دوربين إن على المغرب «التراجع عن هذا القرار المقلق».
ومثلما فعلت طوال السنوات الماضية، صبَّت الشركة ضغطها على أعضاء لجان المخصصات والعلاقات الخارجية، وتابعت التواصل مع معظم أعضاء الكونجرس المذكورين.
أضيف اسم جديد لاتصالات الشركة في هذه الفترة، مع مكتب السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، ورئيس لجنة القوات المسلحة آنذاك، وعضو لجنة الاستخبارات.
ولماكين تاريخٌ خاص مع المغرب، ففي 2005 كتب رسالة لجبهة البوليساريو يطالبها فيها بالإفراج عن أسرى حرب مغربيين، يزيد عددهم على 400 أسير سُجن بعضهم 25 عامًا، وبعد مطالبة ماكين بشهور أفرجت البوليساريو عنهم. وقد راسل الملك المغربي عائلة ماكين عند وفاته لتعزيتهم، وقال: «فقد المغرب برحيله صديقًا كبيرًا».
عن موقع “ساسة بوست”