بعيدا عن الجدل العقيم وجفاف الفكر ،سأعتمد منهج التحليل المبسط لتسليط الضوء على معضلة البلوكاج التشريعي داخل الغرف الثانية التي طالما اعتبرتها شخصيا غرفة تجميد القوانين نظرا لما عايناه عند إقبار العديد منها وهذا ما يتجلي في ضعف حصيلتها على مستوى الممارسات التشريعية. و لعل ما يحز في نفسي اليوم هو كيف لمؤسسة دستورية أن تتعامل بتقاعس تشريعي و تماطل في إصدار قوانين و تشريعات كانت في صلب جلسات و لقاءات ماراطونية ثم مجهودات و اجتهادات مكثفة من أجل المناقشة و المصادقة عليها من طرف مجلس النواب(الغرفة الأولى) .
نعلم جميعا أن سن التشريعات و القوانين تتم من أجل إرساء سياسة معينة أو لمواجهة مشكلة معينة، و من ثم فهي تقوم بصنع السياسات العامة فى النظام السياسي و هذا ما يأكد دور البرلمان في التحول الديمقراطي . لكن تسير الرياح بما لاتشتهيه السفن فالعديد من القوانين نائمة إلى الأبد في الغرفة الثانية وأخرى محتجزة لمدة طويلة ولا يتم المصادقة عليها لأسباب مجهولة أو أسباب سياسوية ضيقة أو غيرها . فضلا عن قوانين عالقة تبحث عن مخرج لتمريرها منذ فترة طويلة ،مما يثير استياءا متزايدا نظرا لاستخفاف وعدم احترام الآجال والتقصير في الإفراج عنها تتسبب في هدر زمن تشريعي يشكل أعطابا جوهرية في النموذج التنموي وهذا ما يؤثر سلباً على الكثير من السياسات العمومية المرتبطة بضرورة صدور نصوص قانونية داعمة لها.
أكيد أن ما يحدث ينبهنا أن البرلمان يعرف ازدواجية تشريعية مثل العديد من الدول (الولايات المتحدة،بريطانيا،فرنسا…) نظرا لتوفرها على غرفة ثانية تتمتع بتركيبة سوسيولوجية أو اجتماعية مختلفة .في المغرب تعتمد على تمثيلية مقاولاتية ونقابية وحزبية بمثابة نسخة مكررة في اجترار مشاريع القوانين.
لكن في حالة اعتراض على بعض القوانين تصبح المسطرة أكثر تعقيدا تؤدي في النهاية إلى بطء الوظيفة التشريعية للبرلمان وتعقيدها وهذا ما يشكل خطرا أن يتحول المجلسين إلى برلمانيين مستقلين أو مجال للأزمة التشريعية. وهذا ما تابعناه جميعا بشكل واضح في تجميد مشروع مدونة السير من قبل مجلس المستشارين منذ أكثر من عشر سنوات و مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة وحاليا مشروع قانون التعاضد والتغطية الصحية للوالدين وووو ….
مما يدفعني شخصيا للإعراب عن تخوفي من تحول مفهوم مشروع قانون في الغرفة الثانية إلى تجميد أو إقبار يجسد انحباسا سياسيا يغيب مسؤولية الفاعلين السياسيين التي لا تجدي إلا تدني مستوى ثقة الشعب بحكم أنه مجلس غير فعال وبعيداً كل البعد عن احتياجاتهم يوسع الهوة بين الشعب و السياسة ويكرس النفور والعزوف ثم يرسخ مقاربة “جدارا بين المواطن والدولة” .
طبعا لاأنكر أن الاختلاف مع النص التشريعي أو التوجهات الحكومية وارد لكن لا يجب أن ينسينا أننا مسؤولون كشركاء في مصلحة الوطن و ليس فرقاء في ضمان حسن تدبير و تسيير المؤسسات الدستورية و الحرص على عدم تثقيل المسار التشريعي في البلاد وفق طبيعية مهامنا كممثلي للأمة خشية الإنزلاق إلى الأردأ و الأسوأ مما لا تحمد عقباه ،ينطبق عليها مثلا شعبيا “ذهن راسو بالعسل و خشاه في غار النمل”