لا بد في البدء، أن نشير إلى أن موضوع الهجرة يعد من القضايا الشاملة والكونية التي تكون حاضرة في أي نقاش كوني حول القضايا العالمية لما تشكله من تحديات مرتبطة باستحالة ضبطها وتوفير الأمن وكذا الحقوق المنشأة جراء الانتقال من وضعية الاستقرار في بلد المنشأ أو الإقامة الى البحث عن افاق جديدة وواعدة من أجل تحسين الوضع المادي والاجتماعي والبحث عن بيئة امنة تحتضن الأشخاص المرشحين للهجرة سواء أكانت بدوافع اقتصادية، أو سياسية، أو أمنية، أو بيئية، أو غير ذلك من الأسباب التي لا يسع المجال لحصرها هنا.
والمغرب كباقي البلدان النامية، كان منطقة مصدرة للهجرة الى الضفة الأوروبية منذ سبعينيات القرن الماضي الى حدود العشرية الأولى من الألفية الثالثة، إثر الهشاشة العالية التي كان الاقتصاد المغربي يعاني منها إضافة الى عدم توفر إرادة قوية لدى الفاعل المؤسساتي والسياسي من أجل المساهمة في حلحلة هذه المعضلة الشاملة، لارتباطها بإخفاقات دول المنطلق في وضع نموذج تنموي ناجع وتطبيق سياسات تتماشي والسياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلد، إضافة الى تبرم دول الشمال عن معالجة الإشكالية في مهدها، أي المساهمة في تحقيق نقلة نوعية في بلدان الجنوب ودعم مسارات انتقالها الديمقراطي قصد تثبيت أسس الاستقرار والنماء وبالمحصلة وأد كل مسببات الهجرة.
إن المملكة المغربية، منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش منذ عقدين من الزمن، طرأ تحول جذري في بنية النظام على مختلف الأصعدة، وبدأنا نلحظ سن سياسات مندمجة وتكاملية تروم الإجابة عن الإشكالات المطروحة سواء في بعدها المحلي والإقليمي والدولي، كما تستحضر هموم وانشغالات وتطلعات المواطن المغربي كأولوية في معالجة تلك القضايا.
ولعل من نافل القول، قيام المغرب بحشد كل الإمكانيات والطاقات لتنمية كافة التراب الوطني، وعلى رأس الأولويات أقاليمنا الجنوبية التي خصها بنموذج تنموي يعد الاكثر تقدما وتكاملا واندماجا في القارة الافريقية، في علاقة بالجهود المغربية المبذولة قصد المساهمة في إيجاد حل سياسي واقعي لنزاع صحرائنا المغربية المفتعل وجوابا على تطلعات الصحراويين المغاربة في الأقاليم الجنوبية في تنمية مستدامة تضمن الاستقرار والعيش الكريم لساكنة المنطقة، وفتح تلك الجهة على العالم لجعلها منطقة جذب سياحي واقتصادي قاري.
غير أننا نشهد تدفقات كبيرة للمهاجرين من دول الساحل والصحراء الى مناطقنا الجنوبية، قصد البحث عن منافذ للتسلسل الى الأراضي الاسبانية بغية الوصول الى الفردوس الموعود.
وقد يرجع ذلك الى الاعتقاد ان المنطقة الشمالية من المملكة محروسة بما فيه الكفاية، لمنع أي تجاوز للحدود المغربية الاسبانية وبالتالي الحيلولة دون تقوية الاعتقاد بتوافر إمكانيات للهجرة غير النظامية من تلك الربوع.
السبب الثاني، يرجع إلى وجود حملات إشاعات حول فراغ منطقة الصحراء المغربية من مؤسسات فاعلة في مجال مراقبة الحدود وضبط تدفقات الهجرة، لكون الجهة منطقة نزاع، وهو أمر مردود عليه لكون المناطق الجنوبية تنعم بمؤشرات تنمية هي الأعلى بالمملكة، بل وأصبحت مناطق استقرار للكثير من الأفراد المرشحين للهجرة من دول الساحل والصحراء، وعملت السلطات على دعمهم ومساعدتهم على الاندماج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي بكافة مدن الصحراء.
فاعتبار المناطق الجنوبية وجهة مفضلة للمهاجرين غير النظاميين، يرجع أساسا إلى قرب تلك المناطق من السواحل الإسبانية بجزر الكناري، ولصعوبة مراقبة المياه الإقليمية بتلك المنطقة نظرا للبعد الجغرافي للجزر عن شبه الجزيرة الإيبيرية.
ولا بد من التذكير في هذا الصدد، أن المغرب انتقل من بلد مصدر إلى بلد عبور وملجأ لأعداد كبيرة من المرشحين للهجرة غير النظامية، في سياق وطني يحترم تعهدات المملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان، وحاضنة اجتماعية مرحبة بالآخر كإنسان بغض النظر عن أصله العرقي أو الثقافي أو السياسي أو الديني.
الدكتور مصطفى أوزير محلل سياسي وأستاذ جامعي