تعد الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة ويشكل الحق فيها حقا أساسيا لكل إنسان وجانبا أساسيا من جوانب التنمية الشخصية والاجتماعية والاقتصادية. ويمكن تعريف الصحة النفسية بانها حالة من السلامة العقلية التي تسمح للفرد بالتعامل الإيجابي مع مصادر التوتر، وتحقيق ملكاته، وحصوله على التعليم المتوفر وقدرته على العمل بشكل جيد، وكذا مساهمته في حياة ودينامية الجماعة والمجتمع. وتشكل بهذا أحد المقومات التي تقوم عليها القدرات الفردية والجماعية للسكان من اجل اتخاذ القرارات الملائمة وتكوين العلاقات الاجتماعية السوية والمساهمة في بناء المجتمع الذي يعيشون فيه.
تعد مشاكل الصحة النفسية واقعا معقدا يختلف من شخص لآخر، يشمل بروز صعوبات عقلية ومعاناة نفسية ومظاهر عاطفية وجسدية مرضية بدرجات متفاوتة وليس غياب الاضطراب العقلي فقط. وتشمل مجموع الاضطرابات العقلية والاختلالات والاعاقات النفسية بالإضافة إلى الحالات العقلية الأخرى المرتبطة بالضيق النفسي الشديد أو ضعف الأداء أو خطر إيذاء النفس أو الغير باستعمال العنف أو غيره.
ويمكن للعوامل النفسية الذاتية والبيولوجية الفردية، مثل الخصائص العاطفية للفرد وتعاطي المخدرات والوراثة، أن تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لمشاكل الصحة العقلية. كما أن التعرض لضغوطات اجتماعية وظروف اقتصادية وجغرافية وبيئية خاصة ( بما في ذلك الفقر والعنف وعدم المساواة والحرمان من الظروف البيئية الجيدة) قد يزيد من خطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية.
ويمكن ظهور المشاكل النفسية في جميع مراحل الحياة، ولكن تلك التي تحدث خلال فترات النمو الحرجة، وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة أو بداية المراهقة، تكون ضارة بشكل خاص حيث يمكن لبعض الممارسات التعليمية القاسية والعقاب البدني أن يشكل خطرا كبيرا على الصحة النفسية للأطفال. كما تعد البيئة العائلية والمحيطة الغير ملائمة وبعض الاحداث الاستثنائية والتنمر عوامل خطر رئيسية لظهور بعض المشاكل النفسية ومضاعفاتها العقلية لدى الشباب.
يشكل الانتحار أحد المظاهر المأساوية المعبرة على الاختلالات النفسية العميقة التي تعكس غياب التوازن النفسي وعدم القدرة على التكيف مع الواقع. وهو فعل طوعي عدائي متطرف يرتكبه الشخص ضد نفسه من أجل إنهاء الحياة. وغالبًا ما يرتبط هذا الفعل بضعف الصحة النفسية والعقلية وبمجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية المغذية. ويعد معدل الانتحار أحد المؤشرات التي تعكس مستوى المرض العقلي لدى المصابين بالاختلالات النفسية ومقياسا للصحة النفسية لدى السكان.
تهدف الوقاية من المخاطر النفسية إلى تحديد العوامل الفردية والاجتماعية والهيكلية للصحة العقلية والعمل على الحد من المخاطر النفسية وتهيئة بيئة مواتية للعيش السليم. وللتعامل مع محددات الصحة النفسية، يجب اتخاذ تدابير تتجاوز قطاع الصحة لتشمل قطاعات أخرى كالتربية والتعليم والشغل والعدالة والبيئة والإسكان والثقافة والحماية الاجتماعية.
تعرف الصحة النفسية بالمغرب نقصا حادا ومهولا في العرض الصحي واختلالات كبيرة في التنظيم وضعف في الحكامة. وهكذا تشير بعض المعطيات إلى أن العرض الصحي بالصحة النفسية لا يتعدى 2330 سرير و34 مؤسسة استشفائية عمومية. فيما لا يتعدى عدد الأطباء النفسانيين 343 منهم 47 يزاولون بالقطاع العام. ويتميز هذا العرض بسوء التوزيع الجغرافي والترابي.
ولتعزيز الوقاية من المخاطر النفسية والتكفل بالأمراض العقلية على الوجه الأمثل يجب تحيين الإطار القانوني الذي أضحى متجاوزا حيث لا زال العمل جاريا بالظهير الشريف رقم 1.58.295 صادر في 21 شوال 1378 (30 أبريل 1959) المتعلق بالوقاية من الأمراض النفسية وعلاجها وحماية المرضى العقليين في حين تم حدوث تغير عميق في المفاهيم وتقدم كبير في طرق ووسائل الوقاية والتكفل بالأمراض العقلية. كما يجب تسطير سياسة وطنية للصحة النفسية تحظى بالأولوية القصوى عبر تخصيص ميزانية ملائمة. وترتكز هذه السياسة على العمل على إحداث تغيير جوهري في نظرة المجتمع للأمراض النفسية والعقلية وعلى اعتبار الصحة النفسية قضية مجتمعية ومشكلا أساسيا للصحة العمومية.
وفي هذا الاطار، ولتحقيق مستوى جيد للصحة النفسية للمواطنين يجب على قطاع الصحة والحماية الاجتماعية أن يقود برنامجا مندمجا وطموحا لتعزيز الوقاية من المشاكل النفسية والتكفل بالأمراض العقلية بتنسيق مع القطاعات الحكومية المتدخلة وتعاون مع المنظمات المدنية المعنية.
دكتور الحسن بلكبير
طبيب وخبير في قضايا الصحة العامة وتقييم السياسات الصحية