سنتان وشهران بالتمام، أي منذ تاريخ وقوع “زلزال الحوز” الذي أودى بحياة قرابة 3 آلاف شخص، ودمّر نحو 60 ألف مسكن، يوم 8 شتنبر 2023. ومنذ ذلك الحين، ما زال الضحايا وعامّة الرأي العام بإقليم الحوز يتساءلون عن المنتخبين الذين صوّتوا لهم، وفي مقدّمتهم النواب البرلمانيون الأربعة المفترض أن يمثّلوهم وينقلوا معاناتهم وآهاتهم إلى داخل المؤسسة التشريعية.
لم يُسمَع منذ ذلك الحين إلى حدود اليوم أيّ صوت لـ”البرلمانيين الأربعة” الذين يمثلون الإقليم؛ ثلاثة منهم ينتمون إلى أحزاب “التحالف الحكومي” وواحد إلى حزب من “المعارضة”، لكنهم جميعاً ينتمون إلى منطقة واحدة تقريباً! لم يتحدث أيٌّ منهم عمّا يعيشه المتضررون داخل الخيام البلاستيكية وحرمان المئات من الأسر المتضررة من الدعم والتعويضات، وكأنهم اتفقوا على رأي واحد: “خليهم تما حتى تجي عاود الانتخابات”!
لم يكلّف ممثلو الإقليم أنفسهم عناء زيارة الضحايا في مناطقهم وداخل خيامهم البدائية، حتى يشعر هؤلاء البسطاء على الأقل بأنّ “واحداً من ممثليهم” داخل البرلمان قد زارهم وخفّف من معاناتهم ولو بالوعود والشعارات التي يرددونها في الحملات الانتخابية والموائد التي ترافقها. بل لم يتطرّق أيّ منهم حتى لمعاناة المئات من التلاميذ الذين يعانون بسبب غياب المؤسسات التعليمية والتأخر الفظيع في بدء أشغال البناء، وغياب النقل المدرسي وأبسط شروط التمدرس.
لقد ابتلع هؤلاء لسانهم، واهتمّوا بمشاريعهم الخاصة وحياتهم داخل “فيلاتهم” ومنازلهم الفخمة، تاركين “الأصوات الانتخابية” حتى يحين موعدها مجدداً. حينها ستجدهم مرة أخرى بمعية خُدّامهم من المنتخبين ورؤساء الجماعات الترابية وأصدقائهم والدائرين في فلكهم، يرددون على مسامعنا الشعارات الرنّانة والوعود الفارغة.
قاد المتضررون، وهم الآلاف من المقصيين والمحرومين من الدعم الملكي، عامين كاملين من “النضال” والترافع الحقوقي والاحتجاجات والمراسلات والملتمسات، ولم يتفاعل “ممثلوهم” مع مطالبهم، ولم يكلّفوا أنفسهم حتى الاستماع إلى صرخاتهم. لقد وجدوا في برلمانيين من الدار البيضاء وأكادير وشفشاون والشمال والشرق صوتاً ينقل الآلام والمعاناة والتلاعبات الكثيرة والخروقات إلى وزير الداخلية يُنتظر منه فتح تحقيق وتمتيع المتضررين بحقوقهم والالتزام بما جاء في التعليمات الملكية، وهذا ما لم يجدوه في “الممثلين” الذين يفترض أن يمثلونهم داخل البرلمان.
يبدو أن “ذنب” دائرة أسني ودائرة أمزميز هو إصرار أبنائها وبناتها على اختيار “ممثلهم” من خارج دوائرهم، وهذا الإصرار الغريب على فرض برلمانيين على الدائرتين من أيت أورير وغيرها. ومن الطبيعي جداً أن يستعمل هؤلاء “القبلية وما يشبه التمييز” في تعاملهم وتفاعلهم مع هاتين الدائرتين “الخزان الانتخابي”. كيف يعقل أن تضم الدائرتان أزيد من مائة ألف نسمة ويختارون برلمانياً من “الخارج” للتحدث باسمهم، ليبتلع في النهاية لسانه ويلتزم الصمت، وفي أسوأ الأحوال يقوم بنسف لقاء للمجتمع المدني في جماعته وبلديته ودائرته الانتخابية! أو يجتهد أكثر أمام وزير الداخلية في تبرير ما تعرضنا له من إقصاء ويصفنا بـ”المرضى النفسيين” فقط لأننا نطالب بحقوقنا!
لقد آن الأوان للتفكير الجماعي، على مستوى الدائرتين، وخاصة دائرة أسني التي تضم 56 ألف أسرة، في اختيار من يمثلنا من داخل ترابنا، يشبهنا، يتألم معنا ويفرح لفرحنا، يستطيع أن يفتح فمه (لا فقط في المقاهي والجلسات) ويصدح بمعاناتنا وآهاتنا وينقلها إلى دهاليز الدولة. لاختيار منتخبين يعرفون جيداً معنى الأمانة والمسؤولية والتكليف من البسطاء، ويدركون حجم انتظارات الساكنة، لا منتخبين من نوع “الله احسن العوان”!


