في عالم تتسارع فيه التحولات الرقمية، تبرز منصات الفيديو القصيرة كمساحات أساسية للتواصل، لا سيما تيك توك، الذي يجذب ملايين الشباب ويشكل قاعدة انتخابية محتملة للجيل القادم. ومع ذلك، يبدو السياسي المغربي متحفظاً إلى حد الغياب عن هذه المنصة، في حين يستمر استخدام فيسبوك وإكس لنشر البلاغات الرسمية والصور الرسمية والتصريحات الحزبية.
يقول أحمد شرف، أستاذ علوم التواصل بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، لـAwalPresse: “المشكلة الأساسية ليست في المنصة نفسها، بل في تصور الفاعلين السياسيين للجمهور الرقمي. هناك اعتقاد سائد بأن مستخدمي تيك توك هم مراهقون يبحثون عن الترفيه والهزل فقط، وليسوا جمهورا يمكن إقناعه أو التعامل معه سياسياً”.
ويضيف شرف أن هذا التصور يحجب عن السياسيين فرصة التفاعل مع فئة شبابية متزايدة التأثير، وأن غياب استراتيجية واضحة يعني تضييق قاعدة التواصل الرقمي على جمهور محدود وراكد.
من جانبه، يشير الخبير في الاقتصاد الرقمي وسوق العمل كريم الزهراوي، إلى أن مسألة غياب السياسيين ترتبط أيضا بعدم إدراك كيفية تحويل المنصات الرقمية إلى أدوات استراتيجية.
ويقول لـAwalPresse: “السياسي المغربي يفتقر إلى تصور استراتيجي لكيفية بناء قاعدة دعم مستدامة من الجمهور الرقمي، وغالباً يعتمد على شبكات الحزب أو الأصدقاء لتجربة التواصل، ما يقلل من فعالية أي ظهور رقمي ويجعل الوصول إلى جمهور الشباب شبه مستحيل”.
ويضيف الزهراوي أن تيك توك يمكن أن يصبح أداة لتشكيل الرأي العام إذا أُحسن استثماره، خصوصاً من خلال محتوى قصير وجذاب يربط بين الأداء البرلماني والحياة اليومية للشباب.
التحليل يكشف أن الثقافة السياسية المغربية نفسها تمثل عائقا، إذ يُنظر إلى السياسي على أنه يجب أن يكون دائما “جادا” ورصينا، بعيدا عن التفاعل اليومي البسيط الذي يفرضه محتوى تيك توك، ما يحد من تبني استراتيجيات مبتكرة للتواصل الرقمي.
هذه الثقافة تتناقض مع التجربة الدولية، حيث تمكن النواب الفرنسيون، كما ذكرت صحيفة “لوموند”، من استخدام تيك توك لتوثيق نشاطهم البرلماني والمشاركة في مزاح خفيف مع زملائهم، ما عزز صورة السياسي كفاعل قريب من الجمهور، مع الحفاظ على جدية الخطاب السياسي.
وتشير مقارنة الواقع المغربي بالدول الأوروبية إلى أن السياسيين هناك استثمروا المنصات الرقمية ليس فقط للتواصل المباشر مع المواطنين، بل لبناء سمعة قوية بين الفئات الشابة، واستخدام أدوات الفيديو القصيرة لتعزيز الشفافية والمصداقية، وإظهار عملهم البرلماني بطريقة مرئية ومؤثرة، وهو ما ما يزال غائباً عن المغرب.
وبحسب تحليل AwalPresse، يبرز التحدي مزدوجا: أولا تحديث الثقافة السياسية التقليدية لتقبل التواصل المباشر والمتفاعل مع الشباب، وثانيا، تطوير استراتيجيات رقمية متكاملة، تشمل تصميم محتوى جذاب، استخدام أدوات قياس الأداء الرقمي، وتدريب الفاعلين السياسيين على آليات التواصل الحديث.
وأكد شرف والزهراوي أن هذا التحول ليس مجرد إدماج منصة جديدة، بل يعني إعادة التفكير في طبيعة الخطاب السياسي نفسه، بما يضمن الوصول إلى جمهور مستقبلي قادر على التأثير في المشهد الانتخابي مستقبلا.


