كشف تقرير برلماني حديث عن وجود اختلالات كبيرة في البرامج الوطنية لمحاربة الأمية بالمغرب، رغم مرور أكثر من عشرين سنة على إحداث الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، ورغم الموارد المالية المهمة التي تُرصد سنوياً لهذا الورش الوطني.
وأوضح التقرير، الذي أعدته لجنة موضوعاتية بمجلس النواب وشمل الفترة ما بين 2021 و2024، أن المجهودات المبذولة لم تحقق النتائج المرجوة بسبب تشتت السياسات وضعف التنسيق المؤسساتي واستمرار الفوارق المجالية والاجتماعية، مما يجعل الأمية تحدياً حقيقياً أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
واعتمد التقرير على معطيات المندوبية السامية للتخطيط التي تشير إلى أن معدل الأمية تراجع من 32.2% سنة 2014 إلى 24.8% سنة 2024، مع تسجيل تفاوتات كبيرة بين الوسطين الحضري والقروي. غير أن الوثيقة البرلمانية لفتت إلى أن برامج محو الأمية ما زالت تفتقر إلى الملاءمة مع المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأنها تُعاني من ضعف إدماج مفاهيم مثل التمكين الاقتصادي ومحاربة الأمية الصحية والبيئية والسياسية.
كما انتقد التقرير محدودية إدماج بعد المساواة بين الجنسين وثقافة حقوق الإنسان في البرامج التعليمية، إلى جانب الغياب شبه التام للأبعاد الفنية والجمالية في المقررات.
وعلى مستوى الأرقام، سجل التقرير تذبذبا واضحا في عدد الجمعيات والاتفاقيات المبرمة في إطار تنفيذ برامج محو الأمية. فبين موسمي 2017/2018 و2019/2020، ارتفع عدد الجمعيات من 2021 إلى 2339، وعدد الاتفاقيات من 828 إلى 2010، قبل أن يبدأ المنحنى في التراجع منذ موسم 2019/2020 ليصل إلى 1332 جمعية سنة 2023/2024. ومع ذلك، شهد الموسم الأخير قفزة غير مسبوقة، حيث بلغ عدد الجمعيات 2224 وعدد الاتفاقيات 2503، مقابل 727 جمعية و548 اتفاقية في الموسم السابق.
ورصد النواب ما وصفوه بـ”فوضى الجمعيات” وضعف المراقبة الميدانية، مؤكدين أن بعض الجمعيات تعتمد على مؤطرة واحدة لتقديم الدروس والتكوين الحرفي في آن واحد، ما يؤثر على جودة التكوين. كما أن نقص اللوازم البيداغوجية يدفع بعض المؤطرات والمستفيدات إلى اقتنائها من أموالهن الخاصة.
وأشار التقرير إلى وجود تلاعب في لوائح المستفيدين من طرف بعض الجمعيات، بغرض استيفاء شرط الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية الذي يفرض 30 مستفيداً على الأقل في كل قسم للحصول على التمويل، ما يؤدي إلى تضخيم الأرقام وحرمان فئات أخرى من فرص التعلم، خاصة في المناطق القروية ذات الكثافة السكانية المحدودة.
ورغم الميزانيات الضخمة التي تُرصد سنوياً، اعتبر التقرير أن أثرها لا ينعكس على الميدان، مشيراً إلى أن تدبير الاعتمادات المالية ما زال يعاني من غياب النجاعة والشفافية، وتعدد المتدخلين دون وجود آليات صارمة لتتبع الإنفاق وتقييم الأثر.
كما توقف التقرير عند الهشاشة المهنية التي يعيشها المؤطرون والمكونون في برامج محو الأمية، بسبب تأخر صرف تعويضاتهم لأشهر طويلة وغياب إطار قانوني ينظم وضعهم. ووصف النواب هذه الوضعية بأنها “ثغرة قاتلة في منظومة محاربة الأمية”، معتبرين أن ضعف تكوين المؤطرين يؤثر سلباً على جودة التعلمات واستمرارية المستفيدين في البرامج.
وختم التقرير بالتأكيد على ضرورة مراجعة شاملة لسياسات محاربة الأمية، من خلال توحيد الرؤية والتنسيق بين المتدخلين، وتحسين شروط عمل المؤطرين، وتطوير مناهج تعليم الكبار بما يضمن تمكيناً اقتصادياً وثقافياً حقيقياً للمستفيدين، بدل الاقتصار على المقاربات الكمية التي لا تعكس الأثر الفعلي للبرامج على أرض الواقع.


