حجم الخط + -
2 دقائق للقراءة

رغم مرور عقود من المحاولات الرسمية لإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي المنظم، ما تزال الظاهرة تتفاقم وتشكل إحدى أكبر المعضلات البنيوية في الاقتصاد الوطني. فبحسب تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط، يوفّر هذا القطاع أكثر من 2,5 مليون منصب شغل، أي ما يعادل 33,1 في المائة من إجمالي التشغيل غير الفلاحي، لكنه في المقابل يغرق في مشاكل هيكلية تؤثر على النمو وتعمق هشاشة الشغل.

وتقاطعت خلاصات المندوبية مع ما سبق أن أكده كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وبنك المغرب، اللذان وصفا الاقتصاد غير المهيكل بأنه “ظاهرة مستعصية” تفرز هشاشة مهنية وغياباً للحماية الاجتماعية، وتفقد الدولة موارد ضريبية معتبرة، بما يحدّ من دينامية التنمية.

أسباب عميقة وبنية مشوهة

محاصرة هذا القطاع ليست ممكنة بالحلول الظرفية، لأن جذوره تمتد في البنية الاقتصادية والاجتماعية ذاتها، كما يؤكد الخبير الفينة في تحليله.

الاقتصاد المغربي ما زال يعتمد على قطاعات تقليدية محدودة القيمة المضافة، مثل التجارة الصغيرة والبناء والنقل والفلاحة الموسمية، في حين أن النسيج الإنتاجي يتكوّن أساساً من مقاولات صغيرة جداً، أغلبها عائلية، تشتغل في هوامش السوق ولا تمتلك إمكانيات النمو أو الانخراط في التشغيل المنظم.

ويرى الفينة في تحليله الذي نشره على على صفحته في فايسبوك أن الخلل لا يخصّ جانب الطلب فقط، بل يمتد إلى العرض، إذ تعاني منظومة التعليم والتكوين من فجوة عميقة بين مخرجاتها واحتياجات سوق الشغل.

ونتيجة لذلك، يجد ملايين الأفراد أنفسهم مضطرين إلى خلق أنشطتهم الخاصة خارج الأطر القانونية، مما يجعل الاقتصاد غير المهيكل بيئة سهلة الدخول وصعبة الخروج، بل يتحول مع مرور الوقت إلى بنية مستقرة ونظام موازٍ له قواعده وأسواقه وعلاقاته الخاصة.

ويؤكد أن الحل لا يكمن في محاولة ضمّ هذه الوحدات بشكل إداري إلى القطاع المنظم فقط، بل في “إعادة بناء القدرة الإنتاجية الوطنية من الأساس”، عبر الاستثمار في الصناعات التحويلية كثيفة التشغيل، وإصلاح منظومة التعليم على أسس الكفاءة والملاءمة، وتوفير بيئة قانونية ومالية مشجعة للمقاولات المتوسطة والكبيرة، إضافة إلى تعزيز الترابط بين القطاعات لتوليد دينامية اقتصادية داخلية متكاملة.

محاولات متعثرة ومقاربات محدودة

في تقييمه للسياسات المعتمدة، يؤكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أشكال الاقتصاد غير المنظم –باستثناء الأنشطة المعيشية البسيطة– تشكل تهديداً حقيقياً للنسيج الاقتصادي، سواء من خلال التهريب أو الممارسات المستترة داخل مقاولات مهيكلة لا تصرح بكل رقم معاملاتها وأجرائها. كما يبرز التقرير أن الوحدات غير المنظمة تنافس القطاع الرسمي بشكل غير مشروع، مستفيدة من غياب المراقبة وضعف الالتزام الجبائي والاجتماعي.

ويرى المجلس أن البرامج الحكومية التي سعت إلى إدماج القطاع، سواء عبر التمويل أو الدعم التقني، ظلت محدودة الأثر، داعياً إلى مراجعة شاملة للمنظومة القانونية والإدارية والجبائية، وإحداث مناطق للأنشطة الاقتصادية المهيكلة، وتيسير الولوج إلى التمويل والمواكبة التقنية، وتشجيع المقاولات الصغيرة والمقاولين الذاتيين على الولوج إلى الصفقات العمومية، مع تعزيز آليات المراقبة والتتبع.