لم تكتف البرلمانية السابقة اعتماد الزاهيدي بالاستقالة من المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بل كانت أكثرة جرأة، من ضمن البيجيديين، على كشف ما يعيشه الحزب بصوت مرتفع ليعلمه الجميع كما تقول، وإن كان هذا لم يعد خفيا على أحد.
ويبقى احتمال مغادرة الزاهيدي الحزب واردا بقوة، لأنها أعلنت صراحة في هذا الحوار مع آشكاين بأنها لا تريد أن تستمر تجربتها الممتدة 20 سنة “في نفس مسار خطاب المظلومية والشعارات البعيدة على الواقع”، حيث خلصت إلى أن “تجربة العدالة والتنمية فيها إشكالات، وكل القيادات لا تنفي ما يقع، بل تؤكد عليها، ويطالبون بحله داخليا لكن نحن لسنا ملك أنفسنا، بل ملك للمواطن الذي منحنا صوته، وبالتالي وجب أن يعرف ما يحصل، ووجب أن نتجرأ جميعا على المصارحة”.
هل من ردود فعل بشأن استقالتك من المجلس الوطني للبيجدي؟
اتصل بي رئيس مكتب المجلس الوطني (ادريس الأزمي) يوما بعد تقديم استقالتي وأخبرني أنه وضعها لدى اعضاء المكتب المسير ويريد أن يعرف حيثيات قرار الاستقالة. أكدت له أنها بمثابة موقف نتج على تحفظات على الطريقة التي يسير بها الحزب وتدبيره للشأن العام الوطني بصفة عامة، وكذا بسبب الازمة السياسية والتنظيمية التي يعيشها الحزب منذ مدة، وأكدت له أن الجميع يعرف هذا لكن لا أحد تجرأ على الحديث عنه. كما أنني أوضحت له أن لدى الحزب إشكالات في تدبير الشأن العام ولم يقدم المجلس على اتخاذ أي خطوة لعلاجها. قال لي ما علاقة المجلس بكل ما ذكرت وهل كل هذا يستدعي تقديم استقالتك من المجلس، فأخبرته أني لو كنت عضوا في الأمانة العامة أو أي هيئة أخرى لقدمت استقالتي أيضا. اما على المستوى المحلي لم أتلق أي اتصال بعد استقالتي.
يقول البعض إن استقالتك لديها خلفيات أخرى مثلا ؟
طبيعي أن يبادر بعض الناس إلى تأويل مواقفي السياسية حسب هواهم، ولكن استقالتي هي دق ناقوس وتنبيه لوجود مشكل، فالمجلس الوطني هو المسؤول على الحفاظ على الخط للحزب السياسي باعتباره برلمان الحزب، وهو يضم جميع الكتاب الإقليميين المسؤولين على الهيئة التنظيمية وأعضاء الأمانة العامة، فقط لديهم هاجس واحد هو كيف سيعودون المرة المقبلة إلى امكانهم، في ظل هذا المناخ لم أعد قادرة على الاشتغال عموما.
أي استقالة لديها سياقاتها وتراكماتها وقد جاءت بعد محاولات من الشد والجذب ولن أبق أبدا مستمرة في محاولاتي لإيجاد الحل.
الحزب أتى على أساس أن يحمي المواطن ويقوم بتخليق ادارة الشان العام المحلي. ورُفعت الشعارات على هذا الأساس، لذلك دخلت الحزب والتزمت بخطه السياسي لكن عندما لم أعد أرى أثرا لكل هذا على أرض الواقع فإن هناك هوة حاصلة بين الشعارات والواقع حتى أني صرت أشعر بأننا صرنا نشتغل لمصلحة فئة معينة يجب أن تبقى في مراكز القرار وأن تُعطى لها هيبة وصورة معينة لدى الناس، وأنا لم أنتسب للحزب لأؤدي هذا الدور.
هل ستستقيلين من الجماعة على غرار عدد من البيجيديين الذين غادروها؟
في الشأن المحلي أنا منتخبة أمثل الناس ولحد الآن أؤدي دوري فيها وأساعد الناس في حل مشاكلهم بما تيسر لي من اليات العمل . الناس مازالوا في حاجة إليّ لذلك مازلت معهم. موقعي في التدبير المحلي ليس ملكا للبيجيدي لأنني في مؤسسات دستورية تدبر شأن المواطن، وبالتالي لا يمكن أن يفرض الحزب عليّ التصويت ضد مصالح المواطن، ولا مجال للوصاية الحزبية هنا مصلحة الوطن و المواطن هي الاولوية.
عندما أجد نفسي لم أعد أنفع الناس ولا أقضي مصالحهم فسأغادر. والأفظع أن يكون المنتخب غير جريء للحديث عن التدبير السيء، وبالتالي فكل الاحتمالات موضوعة أمامي.
على العموم مغادرة الجماعة من عدمها يبقى نقاشا تقنيا لا يجب أن يحجب الرسالة التي أريد أن أوصلها إلى الجميع، هي أن طريقة التدبير وطريقة تدخل الحزب في المشاكل فيها إشكال إلى درجة أنها أصبحت ضد مصالح الناس، وهذا ما يجب أن يعلمه الجميع. لذلك أثرت ملف الأساتذة المعهد الموسيقي لأنه لم أجد له تبريرا منطقيا او موضوعيا .
بناء على ما سبق يصعب علي أن أخرج في 2021 لأقول للناس لقد عجزنا عن تنمية المدينة بسبب مشاكلنا الداخلية، فتلك المشاكل لا تهمهم لأنهم أعطونا أغلبية مطلقة، وهذا ما يؤرق بالي لأننا أمام سنة على نهاية الولاية فقط ومازلنا وسط المشاكل، فالعامين الأوليين في تمارة مرت ونحن نحاول التأقلم وفهم الملفات مع خطاب تظلمي ضد السلطة (ماخلاوناش نخدموا) وهذا خطاب يتبناه الحزب ليس فقط في تمارة، وفي العام الثالث بدأت الاختلافات بسبب طريقة تدبير الرئيس للجماعة، وقد حاولت إصلاح ما يمكن إصلاحه لكنني فشلت و كانت النتيجة أن شرع المستشارون في تقديم استقالاتهم من الجماعة والحزب. وكان ذلك بمثابة ناقوس تحذير، لكن لا الرئيس ولا الحزب قاموا باللازم .
بل الأكثر من هذا أنه عندما أتينا برئيس فريق جديد في الجماعة (عبد الواحد النقاز) الذي حاول تدارك ما يمكن تداركه وإعطاء كل ذي حق حقه بموضوعية، وجد نفسه أمام عرقلة بمبرر تدوينة بسيطة حرّكت الحزب بهياكله المحلية والإقليمية والجهوية لتجميد عضويته، في وقت ظلوا ساكتين على الاختلالات التدبيرية الواضحة التي وقعن فيها رئاسة المجلس. هذا القرار بالنسبة لي هو الذي جعلني أخرج من صمتي واتبنى خطابا جديدا، محتواه التكلم بصراحة مع الناس، ليفهموا ما يجري.
خلاصة القول أن تجربة العدالة والتنمية فيها إشكالات، وكل القيادات لا تنفي ما يقع، بل تؤكد عليها، ويطالبون بحله داخليا لكن نحن لسنا ملك أنفسنا، بل ملك للمواطن الذي منحنا صوته، وبالتالي وجب أن يعرف ما يحصل، ووجب أن نتجرأ جميعا على المصارحة.
نفهم من كلامك أنك وضعت نفسك خارج الحزب؟
لا يمكن أن أجدد التجربة بنفس التركيبة، وبخطابات لا تُطبق، و تجربة 10 سنوات الماضية دليل على كلامي. الطريقة التي يدافع بها الحزب عن نفسه مبنية على المظلومية، وأنا أكره هذا الخطاب لاستعطاف الناس لتبرير “المنع” الذي يدعيه أي أنه فاشل في فرض نفسه طيلة عشر سنوات، والمغاربة سئموا من هذا، خصوصا أننا في مرحلة انتقالية وأزمة اقتصادية حقيقية لا مجال فيها للشعارات والكلام الفارغ. وأنا لا يمكن أن أشارك في هذه الجريمة، لأنني ولجت السياسة لأخدم بلدي ومدينتي وليس للدفاع على مجموعة تريد الحفاظ على الصدارة أو إنقاذ ماء وجه الحزب كما طالبني عدد منهم.
أنا الآن مازلت احمل صفة انتدابية باسم الحزب، لم يبق لها إلا القليل، وإذا استدعى الأمر خصوصا بعد هذا الضغط الذي يمارس علي سأخرج منها، لكن وجب عليّ أن أعطي حصيلة مهمتي للناس، لأني لم أكن ألازم بيتي قبل هذا، فقد ساهمت في التدبير وأشتغل في الميدان، وبناء على عملي قلت ما قلت، ولا يهمني أن أحافظ على مكاسب سياسية ما فما قلته الآن مقتنعة به.
هل اخترت وجهة جديدة؟
ولجت السياسة و عمري 16سنة، أي مايناهز 20 عاما من العمل السياسي، وبدأتها بأبجدياتها وفي جميع المراحل( ماطحتش من السماء كما يروج البعض) من خلال التكوين والنقاشات والملتقيات والمخيمات فقد كنت أول مديرة لمخيم أقيم باسم العدالة والتنمية بجهة الرباط سنة 2006 و عمري 22 سنة.
من حسن حظي أني بدأت في سن مبكرة. في البداية كان اختياري هو حزب الاتحاد الاشتراكي لكن لم يكن حينها موجودا في مدينة تمارة، واخترت البيجيدي لأن مكتبه كان قريبا من المنزل، وقد رفضت أن أنتسب إلى التنظيم الدعوي، وكنت أتفق تماما مع شعارات الحزب كتخليق الحياة السياسية،قمت بعدة نشاطات (تأسيس العمل الكشفي، التكوين، ملقتيات، التأهيل…)
ورغم مرور 20 عاما لازلت اشعر انني في بداية مساري السياسي، لكني لن أبحث عن نتائج مختلفة بنفس الوسيلة، ولا يمكن أن تمر 10 سنوات أخرى بنفس الوتيرة. نحن في مرحلة انتقالية ترتكز على العمل التنموي الحقيقي. وهناك طرق كثيرة تصب في هذا الجانب.
لماذا ربط اسم اعتماد بحزب التجمع الوطني للأحرار بالضبط؟
لا ادري ربما لأن المغاربة رأوا أنه مكاني. مازلت لحد الآن في العدالة والتنمية، ولدي صداقات عديدة في جميع الأحزاب، وفي اللحظة التي ساقتنع فيها أني لن أعطي إضافة للعمل السياسي فسأعود إلى الوراء، ولدي القدرة على هذا، دون لعب دور الضحية، ولن أقول أنهم لم يتركوني أشتغل، “درت لي عليا”، ولكن طريقة تفكيري وعملي يمكن أن تكون ناجعة في مكان آخر.
لقد جلب البيجيدي إلى المشهد السياسي فكرة “بوحدي مضوي البلاد”، وخلق تنافسية بين الأحزاب لتأخذ مكانه، وهذا خطأ ارتكبه، لأنه يتوجب علينا العمل لخلق تنظيمات سياسية كل يشتغل في مكانه، بطريقة متكاملة، وليس بالتنابز والصراعات. لا أريد أن نكرر نفس الأخطاء وأن نقول إن السياسة موجودة فقط في البيجيدي، لأن هذا وهم فقط، وكما آمنا به سابقا يجب أن نقول للناس إن العكس هو الذي حصل.
لكن هل هناك بديل للحزب؟
البديل يجب أن يخلقه المجتمع لأن التاريخ لا يتوقف عند أحد ويجب أن تكون لنا الجرأة والقابلية، لبناء مشاريع سياسية دون التطفل او محاولة الاستحواذ على الآخر فنحن كما قلت في مرحلة انتقالية والعشر سنوات المقبلة لا تصلح فيها طريقة عمل البيجيدي، وأنا لا أبخس عمل أي حزب، فلكل طريقته الخاصة، ليست بهرجة الخطابات السياسية هي التي ستغير واقع المغاربة بل العمل المؤسساتي التشاركي هو الذي سيغير واقعهم نحو الافضل.
أجرت الحوار مع موقع “آشكاين”