هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010- 2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكافة الوثائق متاحةٌ للتصفح على الإنترنت.
يحظى المغرب بعلاقة مميزة مع الولايات المتحدة، تمتد منذ القرن الثامن عشر، وفي سبيل ذلك، سعى المغرب لدفع مصالحه السياسية والاقتصادية في واشنطن عبر توظيف شركات الضغط للتواصل مع أعضاء الكونجرس الأمريكي.
وفي سبتمبر (أيلول) 2011؛ أعلنت مجموعة من النواب داخل الكونجرس تشكيل «تكتل» للمغرب في الكونجرس بمناسبة الدورة 112 للكونجرس؛ ويهدف هذا التكتل إلى تعميق العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة والمغرب، والضغط في الملفات التي تهم المغرب في الكونجرس الأمريكي.
والتكتلات في الكونجرس تجمع نوابًا وشيوخًا مهتمِّين ببلد أو قضية معينة، ويسعون لتحقيق أهداف مشتركة بخصوصها، مثل تعزيز العلاقات بين أمريكا والمغرب، أو تكتُّل للضغط على حلفاء أمريكا لتعزيز حقوق الإنسان، وتكتُّلات أخرى مهتمة بمسائل الطاقة، أو البيئة، أو التجارة والاقتصاد.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على تكتل المغرب في الكونجرس، ونستعرض أهدافه ونشاطاته، ونسرد مساعي المغرب لتأسيسه من خلال الضغط السياسي.
التكتُّل المغربي في الكونجرس
تأسس التكتل المغربي الأول في الكونجرس عام 2003، وكان مختصًّا في ذلك الوقت بدعم اتفاق التجارة الحرة بين البلدين، وجاء على رأس ذلك التكتل كلٌّ من: لينكولن دياز بالارت، النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، وفيليب إنجلش، النائب الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا، وجون تانر، النائب الديمقراطي عن ولاية تينيسي، وكريس جون، النائب الديمقراطي عن ولاية لوس أنجلوس.
وفي عام 2011، أنشئ تكتل المغرب في الكونجرس من جديد، في الدورة 112، ليضاعف جهود المغرب في الضغط والتأثير في مختلف الملفات والتحديات التي تواجه الرباط في واشنطن.
وتشكَّل تكتل المغرب في الكونجرس في البداية من أربعة نوابٍ هم: النائب الجمهوري ماريو دياز بالارت، الذي قاد جهود التأسيس، والنائب الجمهوري مايكل جريم، إضافةً إلى النائبين الديمقراطيين بيني تومسون، ولوريتا سانشيز.
ومع الدورة 116 للكونجرس، ضمَّ التكتل كلًّا من النائب الجمهوري كارلوس كوربيلو، الذي يرأس التكتل، إضافةً إلى النواب جواكين كاسترو، وستيف كوهين، وجيري كونولي، وتولسي جابارد، وتيد يوهو، وبيني تومسون، إضافةً إلى جو ويلسون وأليس هاستنجز.
واستبق التكتُّل زيارة الملك المغربي محمد السادس إلى واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013؛ برسالةٍ وجهها إلى الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، دعاه فيها إلى اغتنام «فرصة» زيارة الملك المغربي «لإعادة تأكيد سياسة الولايات المتحدة التي لم تتغير لدعم تسوية تقوم على حكم ذاتي واسع – للصحراويين – تحت السيادة المغربية».
وعلى خلفية زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، للصحراء الغربية في مارس (آذار) 2016 واستخدامه كلمة «الاحتلال» لوصف الوضع في الصحراء الغربية؛ أرسل تكتل المغرب في الكونجرس رسالةً إلى وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أن تصرفات الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته الأخيرة للمنطقة «غير مسبوقة». ولفتت رسالة التكتل إلى أن انزلاقات الأمين العام للأمم المتحدة أثارت إدانة واسعة وتظاهرات شعبية في المغرب، مؤكدة أن قضية الصحراء «أساسية للمغرب وأمنه الوطني».
حشد الدعم لتكتل المغرب
في سبيل تأسيس تكتل المغرب في الكونجرس؛ عقد المركز المغربي الأمريكي للدراسات اتفاقية مع شركة «ويسترن هيميسفير ستراتيجي – Western Hemisphere Strategies» التي يملكها النائب الجمهوري السابق لينكولن دياز بالارت، أحد رؤساء تكتل المغرب عام 2003، وشقيق النائب الجمهوري ماريو دياز بالارت، أحد رؤساء التكتل المغربي في 2011.
في حفل توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب المنظم في 15 من يونيو (حزيران) 2004، قال السيناتور – في ذلك الوقت – لينكولن دياز بالارت: «لقد شكلنا تكتل المغرب في الكونجرس لتسليط الضوء على العلاقة الرائعة وبالغة الأهمية بين الولايات المتحدة والمملكة المغربية، وتعميقها أكثر» وأضاف بالارت: «ليس للولايات المتحدة صديق وحليف أفضل في المغرب العربي وفي شمال أفريقيا وفي العالم العربي من المغرب».
عملت الشركة على ملفاتٍ عديدة لها علاقة بجهود التكتل المغربي في الكونجرس؛ أبرزها الضغط من أجل إدخال تعديل في المساعدات الأمريكية للمغرب لعام 2014، لتشمل المحافظات الجنوبية، ومن ضمنها الصحراء الغربية، في موافقة ضمنية أمريكية على السيادة المغربية على الصحراء، بعد أن منعت أمريكا المملكة المغربية من استخدام مساعداتها في الأراضي المتنازع عليها.
كان لينكولن دياز بالارت نائبًا جمهوريًّا سابقًا لمدة 18 سنة، وكان عضوًا في لجان الشؤون الخارجية والتجارة البحرية والثروة السمكية، وبدأ العمل نيابة عن المملكة المغربية في يوليو (تموز) 2012، بعقد رسمي وقعه مع المركز المغربي الأمريكي للسياسات في يناير (كانون الثاني) 2013، وفقًا للسجلات المودعة لدى وزارة العدل. وأنهى بالارت تعاقده في الأول من نوفمبر 2017، وتحصلت الشركة على أجر يقدَّر بمليون و180 ألف دولار مقابل خدماتها.
إدوارد جابرييل، السفير الأمريكي السابق للمغرب (1997- 2001) وأحد أهم شخصيات اللوبي المغربي، قال إنَّ تعيين بالارت أتى لكونه يمتلك تاريخًا طويلًا ومعرفة بشمال أفريقيا وجنوب البحر الأبيض، وليس لكون أخي ماريو عضوًا بالكونجرس. وجابرييل هو سفير الولايات المتحدة السابق لدى المغرب في الفترة ما بين 1997 إلى 2001، والمدير التنفيذي للمركز المغربي الأمريكي للسياسات، الذي وقَّع التعاقد نيابة عن الحكومة المغربية.
من تعاقد المركز المغربي الأمريكي للسياسات مع لينكولن دياز بالارت، النائب الجمهوري السابق والعامل لصالح المغرب في مجال الضغط السياسي لسنوات طويلة، ويظهر في الصورة توقيع فاطمة كورتز، مسؤولة حكومية سابقة في المغرب ومن الشخصيات المحورية في اللوبي المغربي في واشنطن. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
ويلاحظ أنَّ الشركة تواصلت بشكل أساسي مع لجان لم تكن سياسية أو أمنية؛ إذ تواصلت مع لجنة الأعمال الصغيرة، واللجنة الفرعية للتجارة (الطرق والوسائل)، ولجنة الزراعة، ولجنة الطاقة والتجارة. وربما يفسِّر ذلك بأنَّ جزءًا من أهداف المغرب من التعاقد كان اقتصاديًّا، وأنَّ ملفاتٍ استثمارية وتجارية لها علاقة بالمغرب ناقشتها الشركة مع تلك اللجان.
وبحسب تقرير قدمته شركة «موفيت جروب – Moffett Group»، إحدى الشركات التي عملت لصالح المغرب، فإن أهم لجنتين سياسيتين هما لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وتأتي أهميتهما من أهمية ملف الصحراء الغربية بالنسبة للحكومة المغربية.
وتميزت شركة «ويسترن هيميسفير ستراتيجي» في عملها لفائدة المغرب باستهداف شخصيات كبيرة ورؤوس لجان سياسية ثقيلة أيضًا، مثل لجان الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ، التي ركَّزت الشركة كثيرًا على رؤسائها وأعضائها.
اجتمعت الشركة في الفترة ما بين فبراير (شباط) ومايو (أيار) 2014 مع النائب الديمقراطي جيري كانولي، عضو اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (لجنة الشؤون الخارجية)، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لتكتُّل المغرب بالكونجرس. وعقدت الشركة اجتماعًا آخر مع النائب الجمهوري كارلوس كوربيلو، الرئيس الحالي للتكتل، في الفترة ما بين أغسطس (آب) 2014 ويناير 2015 .
إضافةً إلى ذلك؛ التقت الشركة عدَّة مرَّات بالنائبة إليانا روس ليتينين، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، التي سبق وأن دعَّمت الإصلاحات الدستورية بالمغرب، وصرَّحت بأن المغرب «شريك إستراتيجي مهم» للولايات المتحدة الأمريكية.
كما تواصلت مع رئيس لجنة الخارجية بالكونجرس الديمقراطي بوب مينينديز، من خلال الاجتماع مع مسؤول مكتبه دانيال أوبريان، ومن ثمَّ الاجتماع به شخصيًّا مرتين. وبحسب تقرير «موفيت جروب – Moffett Group»، فهو داعم كبير للمغرب، رغم تركيزه بشكل أساسي على العلاقات الكوبية الأمريكية.
واجتمعت «ويسترن هيميسفير ستراتيجي» أيضًا مع إيريك كانتور زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، والنائب الديمقراطي إليوت إنجل العضو رفيع المستوى في لجنة الشؤون الخارجية، والنائب الجمهوري، إدوارد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية.
وتواصلت الشركة سبع مرات مع النائب الجمهوري بوك ماكوين، عضو لجنة القوات المسلحة، والتقت النائب الجمهوري روب بيشوب، رئيس لجنة الموارد الطبيعية، إضافةً إلى النائب الجمهوري تيم مورفي، عضو لجنة الطاقة والتجارة، والسيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، عضو لجنة المخصصات ولجنة القوات المسلحة ولجنة الموازنة.
العمل ضدَّ تكتل الصحراء الغربية في الكونجرس
تعاقد المركز المغربي الأمريكي للدراسات مع شركة أخرى للعمل على ملف تكتل المغرب في الكونجرس، وهي «موفيت جروب – Moffett Group»، التي عملت أيضًا على قضايا مختلفة، مثل قانون المخصصات (المرتبط بالمساعدات الأمريكية للمغرب) لعام 2011، وروجت للإصلاحات الدستورية التي قام بها الملك المغربي بعد الربيع العربي، وتواصلت مع نواب عن قوانين تخص الزراعة والتبادل التجاري بين البلدين.
بدأت علاقة الشركة مع المركز المغربي الأمريكي للسياسات في 10 فبراير (شباط) 2009؛ وانتهت في 30 نوفمبر 2012؛ وأخذت مقابل خدماتها 105 آلاف دولار أمريكي.
مؤسس الشركة هو أنطوني موفيت، سياسي أمريكي وعضو كونجرس سابق، وابن مهاجر لبناني، لعب دورًا مهمًّا في تقديم مقترح الحكم الذاتي المغربي لحل النزاع حول الصحراء في العام 2007 إلى أعضاء الكونجرس، وأيضًا خلال زيارة الملك محمد السادس في العام 2013.
دعت الشركة أعضاء في الكونجرس للانضمام إلى تكتل المغرب في الكونجرس، وذلك عبر توجيهها رسالة جماعية لنواب الكونجرس تطلب منهم الانضمام إلى التكتل؛ والتواصل الشخصي مع أعضاء الكونجرس بهدف الانضمام إلى التكتل.
وتواصلت الشركة أيضًا مع موظفين من مكتب النائب الديمقراطي جيمس ماكجفرن، زعيم الأغلبية في اللجنة الفرعية للقواعد والتنظيم في مجلس النواب، الذي يعدُّ أحد الداعمين للصحراء الغربية والمنتقدين لوضع حقوق الإنسان بالصحراء الغربية من خلال ترأسه للجنة حقوق الإنسان بالكونجرس.
كما اجتمعت مع النائبة الديمقراطية باربارا لي، عضو اللجنة الفرعية للدولة والعمليات الخارجية والبرامج المرتبطة، والسيناتور الديمقراطية باربارا بوكسر، رئيسة اللجنة الفرعية للعمليات الدولية والمؤسساتية وحقوق الإنسان والديمقراطية، التي انسحبت سابقًا من اجتماعٍ لوفدٍ من الكونجرس مع الملك المغربي الراحل سنة 1988، غضبًا من تعليقات الملك المغربي حينها حول «العقل اليهودي».
كما عملت الشركة في المقابل ضد تكتُّل باسم الصحراء الغربية، وهو تكتل يقوده كلٌّ من النائب الجمهوري جو بيتس، الذي كتب في أبريل (نيسان) 2016 مقالًا يصف فيه الوضع في الصحراء الغربية بـ«الاحتلال المنسي»، وطالب المغرب باحترام تعهده بإجراء استفتاءٍ على استقلال الشعب الصحراوي.
ويشارك بيتس في قيادة تكتل الصحراء الغربية في الكونجرس النائبة الديمقراطية بيتي مكولوم، التي أدانت بشدَّة اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في 10 ديسمبر (كانون الأوَّل) 2020.
وأعيد بعث تكتل الصحراء الغربية في الدورة 113 من الكونجرس، ويهدف التكتل بالأساس إلى الدفاع عن حق الصحراء في الانفصال عن المغرب، وتواصلت الشركة مع العديد من أعضاء الكونجرس بخصوص تكتل الصحراء الغربية.
من وثائق مجموعة «موفيت» للضغط السياسي، يظهر في الصورة جزء صغير من أنشطتها لصالح المغرب؛ مراسلات مع مكاتب أعضاء بالكونجرس لحشد تأييد للمغرب. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
وفي هذا الشأن تواصلت الشركة مع النائب الجمهوري ستيف كوهين من اللجنة القضائية، وقد كتب كوهين في مارس (آذار) 2012 مقالًا عن الصحراء يشيد فيه بالمقترح المغربي للحكم ذاتي، كما لم يفوِّت الفرصة لانتقاد جبهة البوليساريو والجزائر، التي باتت معزولة بحسب كوهين، ونظمت الشركة لقاء تعريفيًّا بين كوهين والسفير المغربي بواشنطن، رشاد بوهلال.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن الحكومة المغربية استأجرت الشركة في يناير 2010، واستمرت العلاقة حتى منتصف 2014 مُكلِّفة المغرب 680 ألف دولار أمريكي، وصرَّحت الشركة عن تنفيذها لخدمات بحثية واستشارية للسفارة المغربية في واشنطن، وضغطت في 2011 في ملف المساعدات الأمريكية للمغرب، وأخيرًا نسَّقت اجتماعات للسفير المغربي مع باحثين وسياسيين أمريكيين، دونَ ذكر للتفاصيل.
عن “ساسة بوست”