مقال رأي
لائحة المخاطر التي تحيط بقطاع التامين كثيرة، لكن الخطر الأكبر ليس مصدره الوكلاء الذين يغدون شركات التأمين ، ولا أزمة كورونا ولا تداعياتها على الاقتصاد الوطني ، ولا حتى الفساد الذي يأكل من لحم و أرزاق الوكلاء منذ عقود، ولا ندرة الإمكانات التي لا تتيح للشركات المتطلبات الكثيرة، ولا في الهوة التي تكبر بين الشركات والوكلاء.
كل هذه أخطار موجودة، لكن الخطر الكبير الذي يحوم حول القطاع هو تمييع القطاع ، وضرب شركات الوساطة ، وقطع شعر معاوية بين الشركات والوكلاء و المستهلك، وتعريض القطاع إلى حالة من التوثر بين مكونات الانتاج من شركات التأمين في علاقتها مع المستثمرين الوسطاء.
ما نشهده اليوم في قطاع التامين هو سحابة سوداء لمشهد قادم، حيث يبحث كارتيل التامين عن من يتكلف بالوساطة مع شركات الوساطة وتهدئة خواطرهم والتحاور معهم فلا تجد، فتضطر لاستعمال العصا والقانون الجنائي فتصب الزيت على النار، وتصبح المقاربة الزجرية هي المقاربة الوحيدة الموضوعة على الطاولة والنتيجة أمامكم: اعتقالات بالجملة، وأحكام قاسية، وتهم ثقيلة تلاحق الوكلاء بتورطها في التعدي على استثماراتهم، وفي انتهاك القانون التجاري و الحقوقي.
كل هذه الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الأخيرة الماضية سببها الأول هو ضرب جوهر التجارة والعلاقات التعاقدية ، وضرب الاسس القوية لمهنة الوساطة، وإضعاف شركات الوساطة ، و الهيئة الوصية على القطاع لم تقم بانزال مهاما بالانصاف و لم تقم بالمصالحة و الحوار الجاد من اجل تاهيل قطاع الوساطة، وتوريط القضاء في أزمات لا ينفع معها القانون الجنائي ببساطة إننا ندبر أخطر أزمة خارج المؤسسات، مثل طبيب يعالج مريضا خارج العيادة وخارج قواعد التطبيب الحديث.
قبل أيام صرحت جمعية مستثمري التامين بحقائق غير مسبوقة ، و هي مستعدة للإدلاء بما لديها من معلومات و خروقات إذا فتح تحقيق في الموضوع. هذا كلام خطير جدا، وإذا كنا نعرف حقيقته بالتحليل وبقراءة تسلسل الأحداث، فإننا الآن أمام اعتراف صريح من قبل المعني بالأمر، يقر ان شركات التأمين هدفها ليس فقط الوكلاء ولكن قطاع الوساطة كله وهم يحاولون الآن إنقاذ ما يمكن إنقاذه، الكثير من المكاتب المباشرة و البيع الغير القانوني في الانترنيت وتوزيع منتوجات التامين في الابناك.
لقد حولت الهيئة الوصية الميدان إلى مجرد أداة لإذلال الوسطاء ، وإفساد قطاع الوساطة لتشكيل انظمة اخرى لمصلحة شركات التامين، الهيئة تحولت من هيئة مراقبة إلى شركة مجهولة الاسم، ولم تعد تلعب أي دور في رقابة قطاع التامين سوى تهديد الوسطاء و بعض الوصلات التحسيسية للمستهلك المغلوب على أمره.
التامين بالتعريف هو قطاع صناعي ، و اقتسام الادوار و الارباح هو جوهر المشاركة في الانتاج، عندما تهىمش الهيأة رأي الوسطاء وتحشر أنفها في تفاصيل العلاقة التجارية بين شركات التأمين والوسطاءفي التأمين تضيع مهامها الحقيقية في ضبط التوازن بين مكونات عملية الإنتاج ويصير دورها منحاز لجهة دون أخرى ،فذلك ينذر بتوثرات إجتماعية قد تنعكس على الجانب التجاري للقطاع ككل .وكل هذا في قطاع منتج وبدون مشروع تنمية حقيقية قطاع يدير جل الأزمات ولا يحلها يدبر الندرة ولا يوزع الوفرة، فمعنى هذا أننا إزاء مغامرة كبيرة بمستقبل 2000 شركة وساطة و 50000 شغل قار و مؤقت على الاقل يعيشون من نشاط هذه الشركات ، وليس في حلبة مفتوحة لمغامرات ورهانات غير محسوبة العواقب.