نعود بالذاكرة إلى سنوات السبعينات، لنسترجع بعضا من تفاصيل أول محاولة انقلابية شهدها المغرب سنة 1971، حيث يحكي مشاركون في هذه العملية تفاصيل ما وقع، كما سنتحدث عن بلدة أهرمومو التي بات يطلق عليها اسم رباط الخير، لكونها شكلت نقطة البداية في هذا التمرد العسكري، ما جعلها منطقة مغضوبا عليها من قبل صناع القرار في المملكة.
ويحكي بعض المشاركين في الانقلاب من التلاميذ العسكريين، أن خلافا بين المذبوح واعبابو اللذين لقيا حتفهما أثناء مشاركتهما في الانقلاب، أدى إلى فشل هذا التمرد العسكري، الذي يعد الأول من نوعه في مغرب ما بعد الاستقلال.
وفي شهادته لموقع يابلادي قال محمد متقي الله، رئيس تنسيقية ضحايا مجموعة أهرمومو، إنه التقى بالملك داخل القصر، وهناك اتضحت له الرؤيا، حين أخبرهم الحسن الثاني أن ما يجري انقلاب، خصوصا وأنهم كانوا يعتقدون أنهم أتوا إلى القصر من أجل حماية ملك البلاد من أعداء مفترضين.
ولكن رغم أن متقي الله ومن كان معه، وقفوا إلى جانب الملك الراحل، إلا أن موجة الاعتقالات التي طالت تلاميذ مدرسة أهرمومو العسكرية، لم تستثنهم، ومروا بتجربة اعتقال قاسية، في سجن غير نظامي بتمارة.
وفي 31 يناير من سنة 1972، بدأت محاكمة المعتقلين، في المحكمة العسكرية بالقنيطرة، ودامت المحاكمة شهرا كاملا، وأصدرت هيئة الحكم قرارا، بإعدام عشرة ضباط، من بينهم أربعة جنرالات، فيما أدين ضباط آخرون بالسجن وتم ترحيلهم إلى معتقل تازمامارت الشهير.
أما تلاميذ المدرسة العسكرية والذين كان يتجاوز عددهم الألف شخص، فقد قضت المحكمة العسكرية، في حقهم بالبراءة، وعادوا لإتمام تكوينهم بعد ذلك، لكن في مدارس عسكرية أخرى، حيث فرضت عليهم رقابة صارمة.
وفي السادس عشر من شهر غشت من سنة 1972، شهد المغرب ثاني محاولة انقلابية في تاريخه، قادها هذه المرة الجنرال محمد أوفقير، الذي كان يتولى آنذاك تسيير وزارة الداخلية والدفاع في الحكومة المغربية، ولم يختلف مصير هذه المحاولة عن مصير المحاولة التي سبقتها.
ورغم أنه لم يكن لهم دخل في المحاولة الانقلابية الثانية، إلا أن التلاميذ العسكريين الذين شاركوا في المحاولة الانقلابية الأولى، تم اعتقالهم، وبدأوا يعانون من جديد من التضييق عليهم، وبدأت موجة تسريح في صفوفهم، وتم توظيف المحظوظين منهم في مناصب مدنية بسلاليم متدنية.
ويرجع البعض تسريحهم من الجيش، إلى كون أن الجنرال أوفقير، كان وراء إقناع الحسن الثاني، باستصدار براءة من المحكمة العسكرية في القنيطرة لصالحهم.
وعانى بعضهم من ظروف اجتماعية صعبة، خصوصا وأن كل الأبواب أغلقت في وجوههم، حيث لم يسمح لكثيرين منهم بالعمل، في بعض المناصب، رغم اجتيازهم لعدة مباريات بنجاح.
وبقي الأمر على حاله، إلى حدود نهاية التسعينات، حين تم تأسيس هيئة التحكيم المستقلة، لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، لملفات سنوات الجمر والرصاص، آنذاك قدم تلاميذ المدرسة العسكرية طلباتهم، من أجل تعويضهم عن الحيف الذي طالهم، غير أنها ردت عليهم بعدم الاختصاص، نفس الأمر تكرر مع هيئة الإنصاف والمصالحة التي تأسست سنة 2004.
ولازال تلاميذ مدرسة أهرمومو، رغم دخولهم في العقد السادس من عمرهم، ومغادرة بعضهم الحياة الدنيا، متمسكين بإنصافهم، حيث انتظموا في تنسيقية وطنية، من أجل إيصال صوتهم إلى صناع القرار في البلاد.
أما مدرسة أهرمومو، التي كان يضرب بها المثل في ميدان التكوين العسكري في المغرب وخارجه، فقد تحولت منذ سنة 1971، إلى مجرد أطلال، يحرسها أفراد من القوات المسلحة الملكية يعدون على رؤوس الأصابع.
وكان لإغلاق المدرسة، تأثير مباشر على ساكنة أهرمومو، التي تغير اسمها بعد المحاولة الانقلابية إلى “رباط الخير”، حيث تراجعت الحركة التجارية بالبلدة، التي توجد شرق إقليم صفرو، وجنوبي مدينة فاس، خصوصا وأن تلاميذ المدرسة كانوا يساهمون في خلق رواج تجاري بها.
وقال حقوقيون في البلدة لموقع يابلادي، إن سكان المنطقة يرفضون لحدود الآن، تسميتها برباط الخير ويتمسكون بإسمها الأصلي، رغم أن تاريخ تغيير اسمها يعود إلى سنة 1975. وأكدوا أن البلدة والمنطقة ككل، لا زالت تعاني من الحصار والتهميش، رغم مضي قرابة نصف قرن على المحاولة الانقلابية.
وطالب هؤلاء في تصريحات للموقع، بالقطع مع سياسات الماضي، وبتنمية منطقتهم، إسوة بالعديد من المناطق في المملكة، التي كانت شبيهة بوضع بلدتهم في سنوات السبعينات، وأصبحت الآن بوجه آخر نتيجة استفادتها من المشاريع الاقتصادية التي أقيمت بها.